الخلفيّة والسياق
بالكاد مرّ شهر على الفراغ الرئاسي، حتى ازدادت حدّة الشلل السياسي بين الفاعلين الرئيسيين في لبنان، في ظلّ الخلافات العلنية بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ونواب التيار الوطني الحرّ في البرلمان. أعاق ذلك انعقاد جلسات مجلس الوزراء التي يُفترض أن تعالج مسائل محدّدة تتعلّق بالقضايا الطبّية والمالية، حيث أصرّ ممثّلو التيار الوطني الحرّ على أنه لا ينبغي للحكومة المؤقتة اتّخاذ قرارات في ظلّ الفراغ الرئاسي، بينما تمسّك ميقاتي بضرورة الاجتماع لمعالجة التطوّرات الاجتماعية والاقتصادية.
وعلى غرار ما أظهرته التقارير السابقة، ارتُكب المزيد من الانتهاكات ضدّ حرية الصحافة والتعبير وسط حالة من الجمود السياسي المستمر. وتراوحت الانتهاكات من رفع دعاوى قضائية ضدّ صحافيين على خلفية انتقادهم مسؤولي التيار الوطني الحرّ والتصعيد وصولاً إلى صدام عنيف خلال برنامج "صار الوقت" الذي يُبثّ عبر شاشة تلفزيون الـ"أم تي في" (MTV).
وفي هذا التقرير، نتوخّى تتبّع تصريحات النواب خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022 وتحليلها في السياق المذكور أعلاه. ويهدف التقرير إلى تسليط الضوء على مواقف مختلف المشرّعين حول مشروع قانون معيّن يتعلّق بمكافحة العنف الأُسري وبمعالجة الأحوال الشخصية. وقد رُفع مشروع القانون هذا إلى مجلس النواب، على أمل تأمين فهم أفضل لكيفية تعامل مختلف الجهات الفاعلة داخل المؤسسة مع هذه القضايا.
المنهجيّة
المجموعة قيد الدراسة هي مجموعة شاملة كما هو الحال في التقارير السابقة، وفي جميع التقارير التي تلت الانتخابات البرلمانية لدورة 2022. وهي تغطّي جميع منصّات وسائل التواصل الاجتماعي لـ 128 برلمانياً تمّ رصدهم ومراقبتهم بشكل منتظم طوال الشهر. وفي ما يتعلّق بشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022، قمنا بمراقبة البيانات لأيام الشهر الثلاثين كلها (1 - 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2022). أما أعضاء مجلس النواب موضوع البحث، فتراوحوا بين ممثّلي الأحزاب الراسخة تاريخياً والقائمة على أساس طائفي، والتي تمثّلها كتل برلمانية قوية، والنواب الذين أوصلتهم إلى البرلمان مجموعات وحركات "جديدة" نشأت وتطوّرت في العقد الماضي. وتتمحور الاختلافات بين الحركات المتنوّعة حول العديد من المؤشرات والعوامل: استخدام الطائفية في الخطاب الحزبي/الفردي، والتاريخ الحزبي/الفردي في سياق الصراع الطائفي أثناء الحرب الأهلية وبعدها، والتركيب الديموغرافي للمجموعة أو للأوساط غير الرسمية المحيطة بنائب معيّن.
ويُتيح لنا تنوّع المجموعات تقديم مؤشرات مقارنة قوية وعديدة خلال السعي إلى فهم كيفية وتوقيت التعامل مع القضايا المتعلّقة بحرية التعبير وحقوق الإنسان ومناقشتها في سياقات محدّدة. ونُركّز في تحليلنا للبيانات، بشكل أساسي على النقاط البارزة التالية: 1) نظرة عامة على البيانات وفئاتها، 2) مقارنة بين النواب التقليديين و/أو الطائفيين، وأولئك الذين شاركوا في المنظمات غير الطائفية البديلة/ المنشأة حديثاً؛ و3) التناقضات (إن وُجدت) بين هاتين الفئتين من النواب.
عرض البيانات
نُصرّ على أن المعلومات المشاركة في إطار جمع البيانات لا تُعتبر شاملة، ولكن من شأنها أن تسمح لنا إلى حدّ ما بطرح فرضيات محتملة حول كيفية طرح مفاهيم حرية التعبير والديمقراطية في الخطاب السياسي العام.استبعد الرسم البياني الذي يعرض توزيع البيانات بناءً على نوع الحركات، والذي كان متاحاً في جميع التقارير المنشورة منذ الانتخابات البرلمانية في أيار/مايو 2022، من التقرير الخاص بشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022. ويرجع ذلك على وجه الخصوص للغموض على مستوى التسميات مثل "التقليدية" و"التغيير" بعد الخلافات التي ظهرت ضمن كتلة التغيير نفسها.
التحليل والمؤشرات الرئيسية
بالنظر إلى البيانات، يمكن تحديد قضيتين واضحتين: تدور إحداهما حول التصريحات التي تُدين أعمال العنف التي اندلعت لدى اشتباك أنصار التيار الوطني الحرّ مع أفراد آخرين من الجمهور ضمن برنامج "صار الوقت" الذي يُبثّ عبر شاشة تلفزيون الـ"أم تي في" (MTV).
وكان ممثّلو تكتّل الجمهورية القوية التابع للقوات اللبنانية وراء هذه التصريحات في المقام الأول، ممّا يعكس التنافس السياسي المستمر بينهم وبين التيار الوطني الحرّ، إذ إنهما أكبر حزبَين مسيحيَّين في البلاد. كما صدرت تصريحات من فصائل أخرى مثل الحزب التقدّمي الاشتراكي وبعض نواب التغيير المؤيدين لترشّح النائب ميشال معوّض لرئاسة الجمهورية.
وبالنظر إلى السياق أعلاه، من الواضح إلى حدّ ما أن إدانات هذا النوع من الحوادث تعكس ببساطة التوتّر الاستقطابي بين مختلف الفصائل في البلاد، ممّا يُثير الشكوك حول ما إذا كانت هذه التصريحات تمثّل التزاماً حقيقياً بحرية وسائل الإعلام.
أما القضية الثانية فتتمحور حول تصريحات صدرت في 25 تشرين الثاني/نوفمبر، مع إعلان عدد من النواب توقيعهم على مشروع قانون أعدّته منظمة "أبعاد" ويهدف إلى تشديد العقوبات على جرائم العنف الجنسي ضدّ النساء والفتيات والقصّر. وفي حين أن هذا لا يندرج صراحةً ضمن مجال "حرية التعبير"، نعتقد أن مكافحة العنف القائم على أساس الجندر عنصر أساسي ومتكامل لخلق جوّ إيجابي بعيداً عن العنف السياسي.
وبما أن مشروع القانون لم يُعرض على البرلمان بعد، لم يتسنَّ لنا التأكد من هوية الموقّعين عليه بشكل رسمي. وبينما تستمر "أبعاد" بالضغط داخل الكتل البرلمانية لجمع المزيد من التواقيع، وحدهما سامي الجميّل من حزب الكتائب وبولا يعقوبيان من التحالف الوطني، أكدا توقيعهما على المشروع بشكل صريح عبر حساباتهما على وسائل التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، نشرت "أبعاد" تصريحاً شكرت فيه النواب هادي أبو الحسن وبلال عبد الله وأكرم شهيّب من كتلة اللقاء الديمقراطي التابعة للحزب التقدّمي الاشتراكي على توقيع مشروع القانون. وأصدر نواب آخرون مثل أنطوان حبشي من القوات اللبنانية، وراجي السعد من اللقاء الديمقراطي، وفريد البستاني عن التيار الوطني الحرّ، تصريحات عبّروا فيها عن الدعم لحملة "أبعاد" دون الإتيان على ذكر أي شيء يتعلّق بالقانون المقترح نفسه.