الخلفيّة والسياق العام
بعد الانتخابات النيابية الأخيرة التي شهدها لبنان، خضع مجلس النواب لتغييرات متنوّعة من حيث تركيبته، وأهميته السياسية، ودوره خلال السنوات الأربع المقبلة (أو أكثر). ولعلّ أبرز تعديل تجدر الإشارة إليه اليوم، بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع في السابق، هو وجود كتلة كبيرة معارِضة للنظام في عقر المجلس. وكانت مؤسسة سمير قصير قد أصدرت، قبل الانتخابات، سلسلةً من التقارير لتوثيق طرق تعامل المرشّحين للنيابة (من خلال أحزابهم وقياداتهم) مع المفاهيم/ الأحداث المتعلّقة بحرية التعبير والديمقراطية في خطاباتهم، وخططهم الانتخابية، وبرامجهم.
على هذا الصعيد، قرّرنا مواصلة هذا التقييم في فترة ما بعد الانتخابات، للقيام برصد يومي لتصريحات النواب المئة والثمانية والعشرين جميعهم (تلك التي أمكننا الوصول إليها). أما الهدف من ذلك، فالتوصّل إلى استنتاجات شهرية، وتحليلات حول كيفية تعامل هؤلاء النواب مع العنف السياسي، وقمع الدولة، ومبدأ حرية التعبير، بالإضافة إلى تحديد ما إذا كان عملهم هذا يتجسّد في تشريعات ملموسة أم لا.
يبدأ هذا التقرير باستعراض المنهجية المستخدمة لرصد المحتوى الذي تمّ جمعه وتقييمه. ومع أنّ هذه الطريقة تشبه تلك المعتمدة في تقارير سابقة، لكن لا بدّ من الإشارة إلى تغييرات بسيطة بسبب الاختلاف في موضوع العيّنة وحجمها. بعد ذلك، سيتمّ عرض البيانات، ثم تحليلها في وقت لاحق، بهدف التوصّل إلى استنتاجات واضحة خاصة بهذا الشهر حول كيفية تطرّق مختلف النوّاب إلى المسائل المذكورة أعلاه.
منهجية العمل
لا تختلف الطريقة المعتمدة في هذا التقرير كلّياً عن تقاريرنا السابقة. لكنّ العيّنة التي ارتكزت عليها هذه الدراسة تُعتبر أكثر شمولية، مع خضوع كل المنصّات المتاحة المتعلّقة بالنواب الـ128 للبحث والرصد بشكل منتظم.
ضمّ النواب الذين تمّ رصدهم بموجب هذه الدراسة ممثِّلين عن أحزاب طائفية تاريخية وراسخة، وممثّلة بكتل نيابية قوية، وآخرين تمخّضوا عن مجموعات وحركات بديلة جديدة نسبياً، ظهرت خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية. في نهاية الأمر، يمكن تلخيص الفرق بين الحركات "الطائفية" و"غير الطائفية" في عدة عوامل هي: اعتماد النبرة الطائفية في الخطاب الحزبي، تاريخ الحزب في سياق الصراع الطائفي خلال الحرب الأهلية وما بعدها، والتركيبة الديموغرافية للحزب ومدى تنوّعه. جدير بالذكر أيضاً أنّ معظم النواب المنتمين إلى كتلة حزب الله لا يملكون صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي فقد تمّ الافتراض أنّ التصريحات الصادرة عن حزب الله تمثّلهم ضمن العيّنة المعتمدة أدناه.
تُتيح هذه العيّنة المتنوّعة، المستقاة خلال شهو حزيران ٢٠٢٢، اعتماد عدة مؤشّرات مقارنة قوية، لفهم كيف ومتى تتمّ معالجة مسألة حرية التعبير ومناقشتها في سياقات محدّدة. من هنا، عند تحليلنا للبيانات، نركّز بشكل أساسي على النقاط البارزة التالية: 1) إعطاء لمحة عن البيانات وفئاتها، 2) إجراء مقارنة بين النواب التقليديين و/أو المرتكزين على طائفتهم، وأولئك المشاركين في منظمات غير طائفية بديلة/ منشأة حديثاً، 3) تحديد الاختلافات (إن تواجدت) ضمن هاتين الفئتين من النواب.
عرض البيانات
خلال عملية جمع هذه البيانات، كان التشديد على أنه لا يمكن اعتبار المعلومات الواردة ها هنا شاملةً، ولكن ينبغي أن تُتيح لنا نوعاً ما طرح عدة فرضيات حول كيفية تناول السياسيين لمفاهيم حرية التعبير والديمقراطية في المحادثات السياسية العامة.
الرسم ١: توزّع البيانات بحسب النواب
الرسم ٢: توزّع البيانات بحسب الأحزاب والمجموعات السياسية
الرسم ٣: توزّع البيانات بحسب الأحزاب والمجموعات السياسية المعارضة وغير الطائفية
الرسم ٤: توزّع البيانات بحسب نوع التصريحات، المنشورات
الرسم ٥: توزّع البيانات بحسب نوع الحركة
الرسم ٦: توزّع البيانات بحسب موضوع التصريحات، المنشورات
الجدول ١: توزّع البيانات بحسب موضوع التصريحات واسم المجموعات
التحليل
يجب أن يبدأ التحليل الأوّلي للأرقام الواردة في هذا التقرير بمقارنة بين البيئة والظروف السائدة قبل الانتخابات وما بعدها. أولاً، تجدر الإشارة إلى أنّ الأحزاب "الطائفية" و"غير الطائفية" قد أصدرت عدداً متساوياً من التصريحات المتعلّقة، في عناوينها العريضة، بالديمقراطية و/أو حرية التعبير. مع ذلك، نظراً إلى أن معظم النواب ما زالوا ينتمون إلى "المعسكر" الأسبق، لا يُعَدّ هذا الرقم مفاجئاً كلّياً، خاصةً وأنّ المرشّحين غير الطائفيين شكّلوا حصةً أكبر من العيّنة الإجمالية، بالمقارنة مع النواب غير الطائفيين المنتخَبين.
ما يدلّ على ذلك أيضاً أنّ الحزب الذي أصدر أكبر عدد من التصريحات حول هذه المسألة كان القوّات اللبنانية (17.9%). لكن عند تجميع كل النواب الذين يشكّلون "كتلة المعارضة/ التغيير" (13 نائباً)، يتبيّن أنّ الحصة الأكبر من التصريحات حول هذه المسألة كانت لهم (25%). في الوقت نفسه، شكّلت "الاغتيالات" موضوع نصف التصريحات بالضبط، خاصةً وأنّ شهر حزيران كان قد شهد، قبل 17 عاماً، اغتيال شخصيتين معروفتين في حركة 14 آذار، هما جورج حاوي وسمير قصير.
بالإضافة إلى ذلك، عند مقارنة ذلك بعيّنة ما قبل الانتخابات، يمكن القول إنّ الأكثرية الساحقة من النواب بقيت على حالها، بمعنى أنهم لم يُظهروا ردود فعل ملحوظة في تصريحاتهم، بل اكتفوا بالتعليق على الوضع الحالي، أو على حادثة تاريخية، أو على انتهاك معيّن عوضاً عن المبادرة إلى وضع خطط أو برامج تُعنى مباشرةً بحرية التعبير، والديمقراطية، ومكافحة العنف بطريقة عملية وقابلة للتطبيق. بعبارة أخرى، ما زال يتعيّن على السياسيين معالجة حرية التعبير من منظور سياسة ملموسة. لكن لا بدّ من الإشارة إلى استثناءين ملحوظين، هما المتابعة التي قام بها النائبان إبراهيم منيمنة وفراس حمدان لمسائل متعلّقة بالتعذيب والتزام لبنان بالاتفاقيات الدولية حول هذا الموضوع.