تكريساً لمقولة ملهمها، أثبتت “مؤسسة سمير قصير” أن “الإحباط ليس قدراً”. فبالرغم من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بلبنان، يبدو أن بيروت لا تزال ربيع العرب الباحثين عن حرية الكلمة والفكر. فعشية الذكرى الـ 17 لاغتيال الصحافي والناشط السياسي سمير قصير، أُعلن عن جائزة حرية الصحافة التي تحمل إسمه المنظمة سنوياً بالتعاون مع بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان.
٢٦١ صحافياً من الجزائر، والبحرين، ومصر، والعراق، والأردن، ولبنان، وليبيا، والمغرب، وفلسطين، وسوريا، وتونس، واليمن، أتوا إلى بيروت مؤكدين أن هذه المدينة المنكوبة بعد تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2019، لا تزال عصية على التطويع، ولا تزال ربيعأً للعرب كما رآها سمير.
تنافس العرب على لقب الحرية في عاصمة كانت ملاذاً للأحرار يوماً، ففاز كل من عزت القمحاوي من مصر، صفاء خلف من العراق، إيمان عادل من مصر، رقية العبادي من سوريا وفاطمة العثمان من بيروت.
وتولّت لجنة تحكيم مستقلة مؤلّفة من سبعة اختصاصيين في شؤون الإعلام، وباحثين، ومدافعين عن حقوق الإنسان، من جنسيات عربية وأوروبية، اختيار الفائزين. وضمّت اللجنة هذا العام لودفيك بليشير (فرنسا)، مسؤول الابتكار في مبادرة غوغل للإعلام؛ وناصرة دوتور (الجزائر)، مدافعة عن حقوق الإنسان ومؤسسة جمعية عائلات المفقودين في الجزائر؛ وإلهام فخرو (البحرين)، الباحثة الزائرة في جامعة أكسيتر؛ وبافلا هولكوفا (تشيكيا)، مؤسسة المركز التشيكي للصحافة الاستقصائية؛ وصفاء صالح (مصر)، صحافية استقصائية ومراسلة حرب في تلفزيون “الآن” وفائزة بجائزة سمير قصير لعام ٢٠١٠؛ ورندى سليم (لبنان)، مديرة برنامج حل النزاعات في معهد الشرق الأوسط وممثلة مؤسسة سمير قصير في لجنة التحكيم؛ وأنطونيو زابولا (إيطاليا)، المدير التنفيذي لمؤسسة طومسون رويترز.
ما هي أهمية المسابقة هذا العام؟
بحسب عضوة لجنة التحكيم صفاء صالح، فإن الجائزة هذه السنة تشكل دلالة على أن المنظمات المختصة بنشر الوعي، محاربة الفساد وترسيخ الديمقراطية لا تزال فاعلة على الساحة اللبنانية، وأن بيروت كانت وستبقى منارة للحرية والديمقراطية.
صالح التي تربطها علاقة رمزية بمؤسسة سمير قصير، تشرح لـ “مناطق” عن الفرق بين حضورها كمشاركة في دورات سابقة ودورها التحكيمي في الدورة الأخيرة. فتقول:” عندما كنت مشاركة كنت أعتبر أن عملي يستحق الفوز، أما اليوم فأنا أستبعد عواطفي في التقييم، مغلبة المعايير المهنية على كل شيء آخر.
صفاء أو حاصدة الجوائز كما يصفونها في مصر، (حاصلة على 14 جائزة)، ترفض تقييم الصحافي على أساس جوائزه، إذ تلفت إلى أن جائزة الصحافي الأهم تتمثل بأرشيفه ومدى تأثيره على الجمهور ومناقبيته المهنية.
وعلى الرغم من تحيز صفاء لضرورة أن يكون الصحافي صوتاً للناس، تعتبر أن أهمية جائزة سمير قصير في البلدان العربية اليوم تكمن في الدور التي تلعبه بإعادة رفع المعايير المهنية للصحافيين الشباب بعد الاستسهال الذي حصل نتيجة توسع ظاهرة وسائل التواصل الاجتماعي. وتضيف: “وجود هكذا جائزة سيشكل حشرية لدى الصحافيين الجدد عن الأسباب والمعايير التي تجعل أحداً جديراً بالفوز”.
ماذا عن المتبارين؟
للسنة الثالثة على التوالي، قدمت مؤسسة سمير قصير “جائزة الطلاب” التي ساهمت بتمكين 21 طالباً وطالبة من جامعات المغرب، لبنان، تونس، والجزائر، واليمن من الحصول على فرصة الاطلاع على الأعمال المتبارية والتفاعل افتراضياً مع المرشّحين الذين وصلوا إلى المرحلة النهائية، والتباحث معهم في مضمون مقالاتهم وتقاريرهم.
وفي هذا الإطار، فازت بجائزة الطلاب في جائزة سمير قصير للعام 2022، الصحافية السورية رقية العبادي (مواليد 1988)، وزميلتها الصحافية اللبنانية فاطمة العثمان (مواليد 1989)، عن تحقيق بعنوان “كشافة المهدي: وقائع تجنيد ميليشيات إيرانية الأطفال في سوريا ولبنان”.
العثمان التي لم تنجو من حملة استهداف منظمة عبر وسائل التواصل الإجتماعي من قبل بعض الجيوش الإلكترونية، تؤكد لـ”مناطق” أن ما يحصل مؤشر على ترهيب الصحافيين، وتطالب الأجهزة الرسمية بوضع حد لمن يمارس أفعال التهديد بدل انشغالها بقمع الأعمال الفكرية.
تتأسف العثمان على ما وصلت إليه حرية الصحافة في لبنان، وتقول: “حرية التعبير أصبحت حبراً على ورق، فالإنتهاكات تتم بشكل فاضح ومتواتر من قبل جهات أمنية ورواد مواقع تواصل إجتماعي”.
لكن على الرغم من واقع الحرية الصعب، تشدد العثمان على أن جائزة سمير قصير الذي استشهد من أجل الكلمة الحرة لها دلالة معنوية لدى الصحفيين الباحثين عن الحق والحقيقة.
إذاً فتحت جائزة سمير قصير كوة في جدار الحرية في البلدان العربية، فسمير الذي كتب تأملات عن شقاء العرب، ها هو يستمر اليوم من خلال مأسسة العمل الداعم للأصوات الحرة بوجه كل أشكال القمع أو التدجين.