الرجاء إدخال البريد الالكتروني للحصول على رمز تأكيد التنزيل.
أدخل رمز التأكيد
يرجى ملء الحقول أدناه، ومشاركتنا رابط المقال و/أو تحميله:
يرجى إستعمال الملف ك pdf, doc, docx
مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية - سكايز - مؤسسة سمير قصير

الجريمة... و"سنّ الرشد" الشيطاني

المصدر خاص سكايز
السبت , ٠٣ حزيران ٢٠٢٣
ثمانية عشر عاماً. ها قد بلغت الجريمة "سنّ الرشد" الشيطاني، وما زالت مستعصية على العدالة والعقاب، في بلد استفحلت فيه الجريمة واستكبرت فيه السلطة إياها، ولو تغيّرت فيها بعض أسماء المستكبرين والجلّادين... والعناوين.

ثمانية عشر عاماً، تتّسع المسافات، لكنّ الذاكرة ثابتة على هذا المشهد بالذات: اغتيال مثقّف ومناضل وإنسان إنسان من قماشة سمير قصير في صباحٍ ربيعيٍّ غُدِر فيه الربيع.

ثمانية عشر عاماً يا سمير، أيها الرمز الاستثنائي للفكر والصحافة والكلمة الحرّة والموقف الشجاع والعمل الدؤوب، فكيف ننسى، وهل أساساً يُساعدنا الكابوس الذي يعيش فيه بلدنا ومنطقتنا على أن ننسى؟ كيف ننسى ونحن نرى الطاووس، القاتِل المهووس، قاتِل شعبه، مزهوّاً بعنقه الطويلة، بدل أن يتحسّسها في كل صباح؟!

الظلمة هي الظلمة. والنور يتضاءل، لكنّه لن ينطفىء. وكلماتك، كتاباتك، كُتُبك، تتداولها الأجيال. تحكي لهم عن تاريخ مدينة، عن ملحمة شعب، وشيء من دروس وعِبر الحرب، وما يمكن أن يجُرَّه الاستبداد والتعصّب والحقد من جرائم وويلات وخراب... من دون حساب أو عقاب!

في الأعوام المنصرمة زاد انهيار منظومة القِيَم في منطقتنا، وعمّ اليأس والإحباط، وساءت حال حقوق الإنسان، وجرى التنكيل بصحافيين ومثقّفين شجعان ساروا على نهجك. المشهد تراجيدي ومرير، لكنّ الإيمان بالقضايا العادلة، بالحرّية كمبدأ وقيمة في حدّ ذاتها ومنهاج حياة، هو كل ما نملكه، وفي هذا مشعلك يُساعدنا كثيراً، ووجهك المبتسم يُساعدنا ويهدينا كلّما أُحبطنا، ويُلهمنا كي نرفع رؤوسنا، كي نتوثّب من جديد، كي نحلم، كي نسعى ونكدّ ونبحث عن كيفية الخروج من هذا الأتون.

إسرائيل الصهيونية وطغاة المنطقة يتابعون جرائمهم بحق شعوبنا. شبابنا يهاجر بحثاً عن القوت والعلم والمعرفة والغد. مُدُننا لم تعد تضجّ بالحياة السعيدة. لكنّ الشهداء، شهداء الفكر والصحافة وحقوق الإنسان والحرّية هم ما بقي لنا، كي نستنهض الهِمم، كي نقف من جديد، وننبري إلى تحدّي الصعاب والمشقّات. كي نَلعن سارقينا، قتَلَتَنا، جلّادينا. كي نسعى إلى أن نكون ذلك الإنسان الإنسان بكل ما للكلمة من معنى، وبكل ما كُنتَه أنت يا سمير، من خلال تجربتك، ومسيرتك، وذكراك، وإرثك المشرق المضيء. لا، لم يقتلوا النموذج. وأنت ستبقى أحد أهمّ نماذج الحرّية للأجيال الحالية والمقبلة. معركتك معهم طويلة، ومعركتنا معهم أطوَل... ومستمرّة.

نَمْ قرير العين بطلاً ملحمياً وبسيطاً في آن. نعاهدك أننا لن نبخل بجهد كي تكون ذكراك العام المقبل في ظرف أفضل، على شعوبنا وعلى أولادنا، على أوطاننا التي آن لها أن تُبلسم الجراح، وأن تحيا من جديد، أن تُعاوِد التعافي والنمو والسهر على أرزاق بنيها وخيراتهم، وكيفية ترشيد مواردها والانفتاح على كل مبادرة وكل جديد، وتشجيع الابتكار والإبداع والنقاشات بلا قيود، بلا رقيب لا داخلي ولا خارجي، نقاشات حرّة، مسلّحة بالنقد والحجّة والعقل والرويّة والاتّزان، كما كانت روحك. روحك التي تصقلها الذاكرة يا نجماً للحقّ الإنساني، للعدالة العنيدة التي وإن طال الدهر إلّا أنها أيضاً مشروع طويل الأمد وطويل الأناة.

مشاركة الخبر