أهلًا وسَهلًا بالمُؤمِنين بالحرّيات وبدولة القانون وبالحداثة، العناوين الثلاثة لفكرِ سمير قصير ولجائِزَته ولمؤسّسته.
ولكن لنعترف أنَّ تراجُعَ هذه المبادئ وتراجُع الأحرارِ في المنطقة هُما أمران حقيقيّان، وفي العمق.
لكنّنا سنستمرّ، وبشراسةٍ أكبر. حتّى آخر رمق.
في لبنان، أرقام الانتهاكات ضدّ الصحافيين تتراكَم.
والقتل والتهديد بالقتل ما زالا في المشهد. الإفلات من العِقاب أمرٌ عاديٌّ والقاتِل بيننا وفي السلطة.
عصاباتٌ تَتَحكَّم بالشعبِ اللبناني.
يقتُلونَنا يومياً. يفقّروننا، يدمّروننا، يسحقوننا. ونحن نَكرَههم، نحتقِرُهُم. نَعرف أنَّهم في أفضل الأحوال عصابات سرقة، ومُهَرّبي مُخَدّرات، وأغبياء.
يعتقِدون أنّ ما يحصل في المنطقة هو من أجل لبنانهم وأنّ الأحداث العالمية وُجِدَت من أجل لبنانهم، وإذا اجتمعت القوى الإقليمية، تجتَمِع لمُرشَّحهم.
هل تضحَكون على أنفسكم أم على الشعب أو على من؟
يئست الدول منكم. يئِس الشعب منكم. ولنعترف أنَّ عبقرِيَّتكم الوحيدة هي في الحفاظ على مقاعدكم وممتلكاتكم وإلهاءِ الشعب والمعارضة في نقاشاتٍ جانبية عبثيّة وغير حقيقية، مثل تحميل اللاجئين سبب الأزمة اللبنانية أو اختراع مجموعاتٍ مُتطرّفة تغيّر وجهَ لبنان المنفتح سياسياً واجتماعياً.
أنتم المسؤولون عن الأزمة اللبنانية، وأنتم المسؤولون عن تغيير وجه لبنان منذ الوصاية السورية.
وهنا أعود إلى مقالَين لسمير قصير سبّبا لهُ تهديداً جدياً بالقتل: مقالٌ في ملحق "النهار" عن موريس بيجار الذي يومَها مَنَع الأمن العام الراقِصين من كشف صدورهم وقد اعتبر سمير عندئذٍ أنّ هذا المنع يغيّر وجهَ بيروت.
والثاني عندما طالب بمُحاكمة الأمن السوري اللبناني عن تَخاذله بعدم كشف المجموعات المُتَطَرّفة في الضنّيّة أو عن فبركة هذه المجموعات لغاياتٍ سياسية.
أتوجَّه إلى الجيل الجديد، إلى جيل مَنْ كانوا أطفالاً عندما اغتيلَ سمير قصير ورِفاقه في انتفاضة الاستقلال، إلى الجيلِ الذي يتقدَّم اليوم إلى الجائزة:
أيّ وطنٍ يُريد؟ هل تُريدون أن تبقَوا رَعايا في هذا النظام الفاشل أو مواطنين في دولةِ قانون؟
أمّا المُعارضة، أين العمل الجِدّي؟ أين الملفّات القضائية؟ أين السياسة؟ أين فتح المدينة وساحاتِها؟
هل يُعقل أن تكون ساحة النجمة مقفلةً حتى الآن؟
قال سمير قصير إنّ استقلال لبنان مُرتبطٌ بديمقراطية سوريا. واليوم نعرف أنّ هذا الكلام صحيح وأننا مرتبطون بالمنطقة، شِئنا أم أبَينا. لكن هذا لا يعني أن نُنَفّذ أجندةً في المنطقة على حساب مصلحة لبنان .
عربياً وإقليمياً، هنالك شيءٌ ما يتغيّر.
طريقة تفكيرٍ ومنهج مختلف .
لا رأيَ للبنان فيه. ولكن هل تعلَّم لبنان دروساً ممّا يحصل؟
هل فَهِم أنّ الاتّكال على النفس هو الطريق الوحيد للخلاص؟
نُطالب بلبنان العدالة. العدالة الاجتماعية للحقوق والواجبات، وأهمّها التأمين الصحّي وفرص التعليم من خلال تقوية المدارس الحكومية والخاصة على حدٍّ سواء، لأنّ هدمَ التعليم والمستشفيات هو جريمةٌ لسنواتٍ طويلةٍ ولأجيال لبنان المستقبلية.
العدالةُ للقضايا الكبرى وأهمّها تفجير المرفأ، ولْنَقُل تفجير المدينة بيروت، والعِقاب لِمَن نقل الأموال المَنهوبة إلى الخارج، والعدالة لِمَن قتلوا ولِمَن قتل سمير قصير.
ننتظر بعضَ الدعاوى لدولٍ في الخارج تفرض عقوباتٍ أو تحاكم مسؤولين لأنّهم انتَهكوا القانون في دولِهِم هم.
ونحن، أين الملفات الحقيقية التي يمكن أن نُقَدّمها لدولٍ فاعلةٍ بَدَلَ الزيارات التافهة للقاء سكريتيرٍ ما في خارجيةٍ ما.
أمّا الهجوم على المُنظَّمات غير الحكومية المُستجِد، هو أيضاً خطّة لِقمع الحرية.
هل كان سيعيش لبنان من دون الجمعيّات الخيرية أو المُنظمات غير الحكومية الجدية طبعاً والتي تنشُر من أين تمويلها؟
علينا الحفاظ على المهنة لأنّ الصحافة الحُرّة هي وجهٌ مُشرقٌ للبنان في هذه المنطقة مهما تراجعت. وهذه هي مَهَمَّة مؤسسة سمير قصير.
مؤسسة سمير قصير هذا العام نفّذت خمسة مشاريعَ مُهِمّة اعتبرْنا أنّها حاجة لِتطوير مهنة الصحافة وإنعاشها:
هذه الهوية التي تحمِل خصوصاً حريةً ثقافيةً ولذلك نستمِرُّ بمهرجان ربيع بيروت على الرغم من صعوباتِ التمويل .
مهرجان ربيع بيروت الليلة مع المسرحيةِ الأخيرة لمجدي بو مطر، قبلَ أن يُغادِرَنا: "آخر ١٥ ثانية"، وهي حوارٌ بين مصطفى العقاد والمُتَطَرّف الذي فجَّرَه.
ثانياً مسرحية للمخرج الإيراني سليمانبور الذي وزَّع نصَّه على بعض المسرحيّين في العالم، كي تُنَفَّذَ المسرحيةُ مع مُمثلٍ محلّي وفي اللغةِ المحلية.
كانَ لمهرجان ربيع بيروت شرف اختِيارِه لتنفيذِ نَصّه واخترْنا الممثل فؤاد يمين لتأديةِ الدور.
نحنُ مستمرّون. وبيروت ستعود أجمل ممّا كانت مهما طال الزمن.