عذراً سمير قصير
الثلاثاء , ٠٦ حزيران ٢٠٢٣
قتلوكَ في الثاني من حزيران 2005. الساعة التاسعة صباحًا على وجه التقريب. هذا ليس تاريخًا يقع في الغفلة، في التغاضي، أو في النسيان. محال. إذ لا شيء يشغلني (والكثيرين) عن ذكراكَ، يا سمير. لا شيء. لكنْ، أعذرْني لأنّي أتفادى أحيانًا أنْ أعيش، وأنا أتفادى قصدًا، لأنّي حقًّا لا أعيش. حتّى لأسأل نفسي كيف يكون في مقدور امرئٍ - سويٍّ - أنْ يكذب على ذاته، أنْ يدجّنها، أنْ يمكر بها، أنْ "يهذّبها"، وأنْ يخونها؟! كأنْ يزعم، مثلًا، أنّه يحيا بشكلٍ عاديٍّ طبيعيّ، حين كلّ شيء حوله غير عاديٍّ وغير طبيعيّ.
أيعقل أنْ يكون القتل الدائم، العموميّ والفرديّ، أيعقل أنْ يصبح شيئًا عاديًّا وطبيعيًّا؟ وهذه الحياة اللّامحتملة، أيعقل أنْ تصير محتملة؟!
لا أخفيكَ أنّ الحياة، حياتنا، هنا، ومذّاك، والآن، هي اللّاحياة. وأنا، هنا، لا أرثيكَ، يا سمير. بل أرثي هذه الحياة فحسب، وحصرًا.
قد يُقال إنّ مقتلة حياتنا هي مسؤوليّة الطبقة السياسيّة الحاكمة، التي بات كثيرنا يسمّيها الآن "المنظومة". بربّكَ، على الهامش، أتعرف، يا سمير، ماذا تعني كلمة "المنظومة؟"!
يُقال أيضًا، على سبيل تبرئة الذمم، إنّ المقتلة هي مسؤوليّة "النظام الأمنيّ اللبنانيّ – السوريّ"، والآن مسؤوليّة "الاحتلال الإيرانيّ"، وقبله "الوصاية" السوريّة. أو "الاحتلال". (هل يعقل أنْ لا أذكر الاحتلال الصهيونيّ؟). إلى آخره.
هذا وذاك وذلك صحيحةٌ كلّها، ومئة في المئة، وليس ثمّة شكوكٌ أو التباساتٌ في شأنها جميعًا.
ولكن. ولكن. كيف نستطيع أنْ "نقبل" أنْ نعيش، أنْ نحيا، وأنْ نواصل هذين العيش والحياة، ونأكل، ونشرب، وننجب، و... ننتخب، أو نقاطع، ثمّ نبقى بلا دولة، بلا دستور، بلا قانون، بلا رغيف، وبلا ليرة؟!
كيف نستطيع، يا سمير؟!
أفهمتَ الآن، لماذا أتفادى أحيانًا، وقصدًا، أنْ أعيش؟ لأنّي فعلًا وواقعًا، لا أحيا. ولأنّ ما أحياه، لا يجعلني بشرًا سويًّا صاحب أخلاقٍ وقيمٍ ومعايير وكرامة. يجب أنْ أقول هذا. يجب أنْ أقول هذا، تكرارًا ومرارًا، وكلّ يوم، لأنّي أتّهم نفسي، وأتّهم معي جملة الناس، أفرادًا وقادةَ رأيٍ ومجموعاتٍ وحركاتٍ، ومستقلّين، وحياديّين، وثالثين، وثوريّين، وتغييريّين، وزعماء أحزاب تقليديّين، ومحازبين، الذين – كلّن يعني كلّن - يزعمون الحرّيّة والسيادة والاستقلال والكرامة و... التغيير، وعدم الاصطفاف، وإلى آخره.
تصوَّر، يا سمير، أنّهم مدعوّون إلى انتخاب رئيس منذ أكثر من نصف سنة، لكنّ البلاد ممنوعٌ أنْ يكون فيها رئيسٌ يتحمّل مسؤوليّة قسمه، حافظًا للدولة وللدستور والقانون والحقّ.
ثمّ، مَن ينتخب مَن، يا سمير؟! ثمّ، ينتخبون رئيسَ ماذا؟ ورئيسًا على ماذا؟ أينتخبون رئيسًا لـ"المنظومة"، مراعيًا شروط ديمومتها الأبديّة؟ أم ينتخبون رئيسًا لـ"الدويلة" التي تركّع الدولة؟ أم ينتخبونه بـ"توافق المنظومة – الدويلة"، ليكون دميةً تُستباح باسمها، وفي ظلّها، وتحت (فوق) كرسيّها، الرئاسةُ والرئاسات برمّتها، ويواصل "سيّد نفسه"، ومَن فوقه، ومعه، التسيّد على السيادات، وعلى الرئيس، وعلى مجلس الوزراء ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، وعلى الجيش، وعلى الأمن، وعلى القضاء، والسلطة القضائيّة، وعلى... الحياة؟
أنا لا أرثيكَ، يا سمير. فاعذرْني لأنّي لا أرثيكَ. يجب أنْ أحيا لكي أرثيكَ.