الرجاء إدخال البريد الالكتروني للحصول على رمز تأكيد التنزيل.
أدخل رمز التأكيد
يرجى ملء الحقول أدناه، ومشاركتنا رابط المقال و/أو تحميله:
يرجى إستعمال الملف ك pdf, doc, docx
مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية - سكايز - مؤسسة سمير قصير

قراءة في "جوائز سمير قصير": كتابة جديدة توازي الثوابت

المصدر المدن
الثلاثاء , ٠٧ حزيران ٢٠٢٢
Photo credit: Clément Gibon
ما زالت جائزة سمير قصير للصحافة هي فسحة الأمل للصحافيين/ات في العالم العربي الذين يعانون القيود العبثية وغير المبررة على حرية التعبير. لم تختلف معايير منح هذه الجائزة منذ إطلاقها قبل 16 عاماً. تشجع المحتوى القائم على الدفع لتعميم الديمقراطية وحقوق الانسان وقواعد القانون والقالب الصحافي، فيما تبدو حرية المرأة غير مقيدة، وهو ما تثبته المشاركات والجوائز، كما عضويات لجان التحكيم. 

تقول الباحثة رندى سليم، وهي مديرة قسم حل النزاعات والحوار في معهد الشرق الأوسط، إن أهمية الجائزة "تكمن في وجود باحث ضمن لجنة التحكيم في المساهمة في تحليل نوعية الأفكار بشكل علمي وأكاديمي ومدى تناسبها مع السياسات العامة المتقدمة والجدل القائم". وتحدد سليم المعايير الست التي اعتمدتها اللجنة في تقييم الانتاجات الصحافيّة: التناسب مع مفهوم الديموقراطية، وقواعد القانون، وحقوق الانسان والمشاركة المدنيّة، والمهارة الصحافيّة، والأسلوب والجماليّة، والإبداع.

تؤكد الباحثة أهمية التمثيل الجندري، خصوصاً في لجنة التحكيم التي ضمت خمس مُحكّمات من أصل سبعة محكّمين. "فالجائزة التي تدعم الحرية لا يمكن أن تكون نابضة بالحياة ما لم تمثل كافة الأصوات في العالم العربي". أمّا بالنسبة الى أولويات الجائزة اليوم، فتلفت سليم الى ضرورة استمراريّة هذه الجوائز الداعمة لدور الصحافيين في الإضاءة على قضايا حقوق الانسان في ظل تراجع مساحة الحريات والحقوق.

إيمان عادل.. تحدي الذكوريّة
تقول إيمان عادل، الفائزة عن قسم السمعي بصري، والتي فازت عن تقريرها بعنوان "رانيا رشوان التي خلعت حجابها في قرية الجهاديين"، إنّ مهمة الصحافي دعم القضايا المحقة وأبرزها في نظرها "وضع المرأة في مصر الذي يستحق الإضاءة عليه كونها تعاني التعتيم الإعلامي والاجتماعي". 

إيمان، وهي متخصصة في الشأن الاجتماعي، تطمح لأن يكون لصحافة المرأة دور مؤثر في المجتمع المصري والعربي، وتعتبر أنّ جائزة سمير قصير للصحافة هي بمثابة وسيلة لدفع صدى قصة رانيا، بطلة التقرير، لكي تتحول قصص النساء الى عبرة لمواصلة التغيير. 

لم تتقدم إيمان من قبل الى مسابقة أخرى، وتعزو ذلك الى تفرد هذه الجائزة من ناحية غياب الانحيازات السياسية للمنظمين والمحكمين. تشعر بأن مثابرتها على مواصلة العمل الصحافي رغم أعباء الأمومة وسلطة المجتمع الذكوري، لم تذهب هباءً، ففوزها بجائزة سمير قصير للصحافة زادها عزمًا على البحث عن قصص جديدة لنساء مناضلات.

صحافة وامرأة حرة.. رقية العبادي وفاطمة عثمان 
بدورها، ترى رقية العبادي، وهي صحافية سوريّة أنتجت تقريرها "كشافة المهدي: وقائع تجنيد ميليشيا ايرانيّة الأطفال في سوريا ولبنان" بالشراكة مع الصحافية اللبنانية فاطمة عثمان، أنّ فوزها هو بمثابة "فوز كل امرأة حرّة"، وهي التي اضطرت للتوقف عن العمل بسبب الضغوط التي واجهتها ومحاولات كم الأفواه، كما تقول لـ"المدن". 

تعود رقية اليوم بعمل استقصائي فاز عن قسم السمعي بصري للطلاب، وتشير الى أنّ جائزة سمير قصير للصحافة "قدمت الدافع من أجل الاستمرار في تغطية المواضيع الحساسة والإنسانية"، رغم التحديات والمخاطر التي واجهتها في منطقة دير الزو أثناء مقابلة بطل التقرير. 

تتشارك فاطمة وجهة نظر رقية حول أهمية هذه الجائزة في تحفيز الصحافيين وخصوصاً النساء منهم في العمل على محاربة التضليل الإعلامي، وترى أنّ ما يميز هذه الجائزة هو في أنّها تحظى بالاهتمام العربي والدولي. 

صحافة متخصصة
الصحافي والباحث العراقي صفاء خلف، يؤكد أن الصحافي المتخصص، أو الصحافة المتخصصة باتت ضرورة، ومسار حتمي نتيجة التحول من مهمة نقل الاخبار والمعلومات على الشاكلة المعروفة تقليدياً الى اعتبارها صناعة منتجة وسوق عمل ومنطقة استثمار. يقول لـ"المدن": "باتت لدينا أنماط شائعة من الصحافة الحزبية حتى الصحافة التسويقية، ولأن المشغلين والداعمين يتحكمون بالمعلومة والكيفية التي تصل الى الجمهور، ظلت قضايا كثيرة مهملة، وتخضع للتظليل ونشر معلومات زائفة، لذا تجيء الصحافة المتخصصة كمسار استقصائي اكثر مهنية واحترافية ويعزز قوة الجمهور بالمعلومات والحقائق، كمشكلة التغير المناخي التي لا تلقى اهتماماً بالمسببات والمعالجات من طرف السلطات مع غياب الوعي الاجتماعي وتركيز الصحافة الاستهلاكية على ما هو آني ومتداول والذي يخضع للتجاذب والتنافس السياسي ومصالح القوى النافذة". 

يرجع ذلك الى كون "فكرة التوعية عسيرة في المجتمعات الشرق أوسطية نتيجة أنماط التفكير السائدة وتعرضها الى تأثيرات الإعلام الممول والحزبي او السلطوي"، وفي مواجهة هذا الواقع، تبرز الصحافة المتخصصة "كحل بديل وموثوق ويمتلك مصداقية المعلومة العلمية".

فاز خلف في جائزة سمير قصير عن الصحافة الاستقصائية. بنى الفكرة الاساسية للتحقيق الاستقصائي الذي أنتجه على مدى شهور صيف 2021، في تتبع آثار التغير المناخي وتمثلاته في مناطق مختلفة من العراق، بدعم وتمويل اساسي من وزارة الخارجية الألمانية عبر مؤسسة (Candid Foundation)، انطلاقاً من نقطة مركزية، "بأن التغير المناخي والاحترار العالمي بات حقيقة، والسعي نحو التشكيك به من قبل حكومات وشركات وجماعات أصبح ضاراً على نحو كارثي وعائقاً هائلاً بوجه اقتراح حلول ومعالجات ومبادرات تخفف من التغيرات المناخية والبيئية الآنية والمستقبلية". 

ذلك أن العراق يقع في قلب العنف المناخي والانهيار البيئي منذ سنوات المتزامن مع أزمة مياه قاتلة تعصف بوحدة البلاد وتهدد استقرار الموائل الاجتماعية والسلم الأهلي وسلاسل الإنتاج الغذائي مع اتساع مساحة التصحر، والاستخراج غير الآمن والنظيف للغاز والبترول، ونقص الموارد بظل زيادة سُكانية تعد الأسرع في العالم والمنطقة بمعدل مليون 250 الف ولادة سنوياً، مما يشكل ضغطاً غير متوقعاً على الموارد وتنافساً عنفياً على حيازة الأراضي والمناطق الصالحة للاستقرار والزراعة، "وهو ما خلق تهديداً مضافاً لظاهرة التنازع الاجتماعي المسلح في العراق الذي مع نضوب موارده المائية بحلول العام 2040 بسبب السياسات المائية العدائية المتعمدة من قبل إيران وتركيا، وتحول بيئة بلاد الرافدين الى منطقة سامة بفعل الارتفاع المفرط بدرجات الحرارة وهبوب العواصف الترابية والرملية المُدمرة". 

وتجيء اهمية التحقيق أنه أول تحقيق استقصائي علمي صحافي قائم على دمج أدوات العلوم الاجتماعية في قياس مؤثرات النزوح والتغيير الديموغرافي، مع صحافة البيانات والتوظيف العلمي للإحصاءات ومصادر الاستقصاء المغلقة والمفتوحة على نحو مبسط وسلس يستهدف الجمهور والرأي العام والفئات المتضررة من الآثار المناخية. 

يعمل خلف منذ 5 سنوات على تقصي أزمة المياه في العراق والمنطقة العربية، والتغير المناخي وتأثيراته في الدول الهشة التي تعاني مشكلات في التنمية وتراجع الخدمات واعتلالات اقتصادية بظل أنظمة حكم غير رشيدة، لذا التحقيق الفائز هذا العام بجائزة سمير قصير 2022، "يأتي في سياق عمل متواصل من الابحاث الاكاديمية والتحقيقات الصحافية التي قمت بإنتاجها، ولأن العراق يقع في قلب ظاهرة التغير المناخي ويعاني من اعتلال بيئي مزمن".

دعم للجهد المستقل
"منحت الجائزة لتحقيق مستقل تماماً مرتبط بالمستقبل أكثر من لحظة الصراعات القائمة التي تعصف بالمنطقة العربية، وهو اعتراف بقوة الظاهرة المناخية ومدى تأثيراتها المدمرة التي ستتعدى آثار الصراعات المسلحة والتنافس السياسي والأزمات الاقتصادية"، حسب ما يقول خلف. ويؤكد ان نيل الجائزة ربما يمثل تنبيهاً عاجلاً الى سلطات العراق والمنطقة بضرورة الالتفات الى حجم الكارثة المناخية والبيئية الآخذة بالتدهور مع اشتداد الأزمات والتنافس، وإن ما من وقت لتسويف المعالجات بناء على قياس الاستفادة السياسية". ويؤكد ان "الوقت المناخي لا ينتظر انظمة ومجتمعات ما زالت تعيش في الماضي". 

ويشدد خلف على ان الجائزة "بمثابة دعم لكل المشتغلين على القضايا المناخية والبيئية، واعتراف بقوة الصحافية العلمية الرصينة، واهتمام بالكتابة المتأنية الحذرة التي لا تستهدف الاثارة بقدر ما تستهدف التوعية ومكافحة الفساد". كما يؤكد انها "تمثل دعماً حقيقياً للصحافة المستقلة وللصحافيين الملتزمين، بما يؤكد ان العمل الصحافي يجب أن يظل مستقلاً وخاضعاً للمهنية والمعايير الدقيقة في إيصال المعلومة والتي تستوجب حرية التعبير وضمان حماية الصحافيين وعدم استهدافهم".

على المستوى الشخصي، يعتبر الجائزة "تكريماً على جهد سنوات مريرة من تتبع الظاهرة المناخية عبر مدن العراق ثم بلدان الشرق الاوسط، لفهم الكارثة ميدانياً"، و"حافزاً اضافياً هاماً لاستكمال المشروع ذاته عبر تحقيقات جديدة أعمل عليها حالياً، وكتاب شامل عن المحنة البيئية التي يعيشها العراق بسبب الاحترار العالمي وقطع المياه من قبل تركيا وإيران ونقص الموارد والمتغيرات المستقبلية الحتمية التي سوف تعصف بالاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي". ويقول: "إنها رد اعتبار للكتابة العلمية المتأنية التي تستثمر أدوات البحث الاجتماعي بلغة ادبية تستهدف جمهوراً متنوعاً". 

ويرى صفاء أن "الصحافيين المستقلين يدفعون أثماناً باهظة. والجوائز لا تعني احتفاءات شكلية سعياً وراء الشهرة او المجد الشخصي. الفكرة أعمق. يتورط الصحافيون في ملفات وتحقيقات وأزمات من دون حماية أو غطاء وهو ما ينسحب على عائلاتهم وحيواتهم الشخصية، بالتالي ينفقون شهوراً وأسابيع وربما سنوات لكتابة تحقيق رصين، فيما لا يحصلون على مقابل مادي يستحقونه، وغالباً ما يعملون تحت ظروف خانقة ومريرة من نقص المعدات وأدوات الحماية مع أجور زهيدة لا ترقى الى اهمية المنتج وحجم المخاطر". ويقول إن "الجائزة هي رد اعتبار لرصانة الكتابة الصحافية، واعترافاً بالجهد المضني، واضاءة على ظاهرة وموضوع". 

مشاركة الخبر