الرجاء إدخال البريد الالكتروني للحصول على رمز تأكيد التنزيل.
أدخل رمز التأكيد
يرجى ملء الحقول أدناه، ومشاركتنا رابط المقال و/أو تحميله:
يرجى إستعمال الملف ك pdf, doc, docx
مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية - سكايز - مؤسسة سمير قصير

أيمن مهنا لـ"مواطن": مساحة الحرية لا تتجزأ... وهدفنا هو إغلاق المؤسسة

المصدر مواطن
الإثنين , ٠٨ تموز ٢٠٢٤

وسط مئات الآلاف من العاملين في الصحافة والإعلام بالدول العربية، فإن أسماء بعينها تحمل دلالات مميزة. ربما يكون هذا التميز نابعًا من ريادتها التأسيسية، أو من دورها الاستراتيجي أو من علاقتها بدوائر السلطة، أو من قدرتها على التأثير في الرأي العام. لكن هناك أسماء يكمن إرثها في أن حياتها نفسها كانت ثمنًا لعملها الصحافي المميز. ويصير الأرشيف الصحفي في مثل هذه الحالات، برهانًا على الكيفية التي يقدم من خلالها الصحفي أو الإعلامي حياته دفاعًا عن المبادئ التي يؤمن بها.
 

في الثاني من حزيران/يونيو 2005، اغتيل الصحافي والكاتب اللبناني سمير قصير، بعبوة ناسفة وضعت تحت سيارته في بيروت. لم يكن ذلك الموت التراجيدي نهاية مسيرة صحافي حر قاوم الاستبداد ودافع عن الحرية والاستقلال؛ فبعد أقل من عام، أنشأت مجموعة من المثقفين وأصدقاء الراحل والزوجة جيزيل خوري “مؤسسة سمير قصير“، إيمانًا منهم بحرية الكلمة والرأي، وبأن “نضال سمير قصير كان من أجل الحياة”. وبعد أقل من عقدين من السنوات، صار الاسم نفسه ملاذ العديد من الصحافيين والصحافيات، الشبان والشابات، ودلالة على إمكانية العمل الصحفي الحر رغم قمع الأنظمة العربية وانتهاكات حقوق الإنسان. 

التقت مواطن مع أيمن مهنا، المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير. وتطرق الحوار إلى التحديات التي تواجه الصحافة والإعلام في الوطن العربي، وآلية عمل المؤسسة، ومعايير الجائزة التي يمنحها الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع المؤسسة سنويًا. وكيف كانت رسالة سمير قصير إرثًا يستفيدون منه عند النظر إلى المستقبل. 


لحظة الاغتيال.. لحظة التأسيس

عند سؤاله عن لحظة البداية، والفكرة الأساسية التي أرادوا العمل عليها، يوضح أيمن مهنا أن “المؤسسة تحمل اسم سمير قصير، أحد ألمع الصحفيين والمؤرخين في لبنان، والذي اغتيل في  حزيران/ يونيو 2005 بعد دوره الكبير في انتفاضة الاستقلال خلال ربيع نفس العام  في بيروت، والتي طالبت باستقلال لبنان وخروج جيش النظام السوري منها. دعا قصير إلى الاستقلال والحرية والديمقراطية؛ ليس فقط في لبنان وإنما في كل الدول المحيطة بها، بما في ذلك سوريا”.  


يقول مهنا، إن سمير قصير كان لديه عدد كبير من القراء والمتابعين، بوصفه صحافيًا لبنانيًا ومراسلاً لكبرى المؤسسات الدولية، وحاملًا لواء الدفاع عن الحريات. “أسست زوجته الإعلامية الراحلة جيزيل خوري مع عائلته وأصدقائه هذه المؤسسة دفاعًا عن أهم القيم التي عاش من أجلها سمير قصير، وهي أولًا حرية التعبير والصحافة والثقافة، وثانيًا دور بيروت كعاصمة فكرية ثقافية في المنطقة العربية. وكانت الحريات ودور بيروت ثقافيًا المبدأين الأساسيين الذين قامت عليهما المؤسسة، وحاولت كل النشاطات التي تلت بعد ذلك الإضاءة على جزء منهما”. 


استذكار سمير قصير

1- إذن، هل قامت المؤسسة، بشكل رئيسي، على الإرث الشخصي لمسيرة وحياة سمير قصير؟

صحيح. لكن بشكل مختلف ومميز عن سائر المؤسسات التي تحمل أسماء شخصيات تم اغتيالها. نحن لا نعمل في مؤسسة مخصصة للذكرى، وليس دور المؤسسة استذكار سمير قصير في عملها اليومي، وإنما الاستفادة من قيم وإرث واسم سمير قصير من أجل النظر إلى المستقبل وتحدياته. فنحن لا نحتفل بسمير قصير ولا نعيد قراءة مقالاته يوميًا أو قراءة كتبه كل شهر. نحن نستفيد مما قال للنظر في تحديات مستقبلية متعلقة بالحريات الصحافية والثقافية. وهذا هو الفارق الأساسي. صحيح أننا من وقت لآخر نستذكر أعماله وننظر في أرشيفه، لكن الأساس في عملنا هو أن نكون مؤسسة تتطلع إلى المستقبل، تعالج كل التحديات الراهنة. فنحن مثلاً نعيش في عصر التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي والبيانات الفردية والرقمية والخوارزميات. هذه الموضوعات لم تكن مطروحة في اللحظة التي كان يكتب فيها سمير منتصف العقد الأول من الألفية. لكنها نشأت مؤخرًا وصارت جزءًا لا يتجزأ من معركة الحريات. لهذا السبب نعالجها أيضًا.

2- هل يمكن أن توضح ما هي قيم سمير قصير كما تراها، أو كما تراها المؤسسة؟ 

كانت الحرية هي القيمة المقدسة عند سمير قصير. وأعتبر أن أي قرار يتعلق بالدولة، دون حرية المواطن بالمشاركة في اتخاذ القرار، يفتقر إلى الشرعية. كما رأى أن الثقافة هي السبيل للخروج مما سماه “شقاء العرب”. الثقافة لا تقتصر على النشاطات الفنية، وإنما تعني أيضًا المواءمة بين الإرث الثقافي في الدول العربية والتطور الثقافي الذي يحدث في العالم. 

وتتمثل النقطة الأكثر أهمية  في أن  سمير حارب ضد نوعين من المنطق في دولنا العربية. الأول هو “نظرية المؤامرة”؛ حيث يصير الغرب سببًا لكل مشكلاتنا. ويصبح من السهل على القوى السياسة والدينية وكذلك الحكومات والأنظمة القول بأن الغرب مسؤول عن كل المآسي. 

النوع الآخر هو النظرة الغربية الاستعلائية، أو العنصرية ضد الشرق، ومن خلالها يُعتبر المواطن في الشرق بلا أمل في إنتاج أي تطور أو ثقافة، وأننا شعوب متخلفة. 

اعتبر سمير أن كلتا النظرتين- المؤامرتية والاستعلائية- خاطئتان؛ إذ إن هناك إمكانية لإنتاج تطور فكري ثقافي عربي. كما أنه من الخطأ كذلك تحميل الغرب كل مسؤولية الفشل، لأن ذلك يستخدم كذريعة للقمع من قبل الأنظمة؛ فالتحرر من القمع يحررنا من عقدة النقص تجاه الغرب و يحررنا أيضًا من نظرية المؤامرة المستخدمة ضدنا. وكان ذلك التحرر موضوعًا أساسيًا عند سمير قصير.

3- لدينا إرث ومجموعة من القيم الأساسية. من الناحية العملية، إذن فكيف تدعم المؤسسة هذه القيم في الوطن العربي؟ بكلمات أخرى، إذا كانت مباديء الراحل سمير قصير، ممثلة في الحرية  والعدالة والحداثة كما ذكرت في أحد اللقاءات؛ فما الكيفية التي تتحول بها مجموعة من المبادئ إلى نطاق فعل مؤسسي؟ 

من ناحية أولى، أنشأت المؤسسة مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية “سكايز” المتخصص في رصد انتهاكات الحريات الصحافية والثقافية. اسم المركز الكامل هو “عيون سمير قصير” (Samir Kassir eyes)، الذي يُختصر على الشكل التالي  .SKeyes 

يقوم “سكايز” برصد يومي، دقيقة بدقيقة، لكل الانتهاكات ضد الإعلاميين، الصحفيين، المصورين، والمراسلين، وضد المؤسسات والممتلكات الإعلامية، وضد الكتاب والمسرحيين والعاملين في مجالات السينما والموسيقى. وذلك في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين. 

يقوم المركز أيضًا بتأمين معدات/وسائل الحماية الجسدية والتدريب على الحماية الرقمية والجسدية للصحفيين والإعلاميين في كل الدول العربية. وعندنا كذلك برنامج الإيواء الآمن للصحفيين المضطهدين في بلادهم. من الممكن أن يلجأوا إلينا في بيروت حتى نؤمّن لهم سلامتهم الجسدية، وسلامتهم من الاعتقال أو القتل. 

يتمثل جانب آخر من عمل المؤسسة في دعم الإعلام المستقل، أي غير الخاضع للأجندات المالية والسياسية التابعة للأنظمة أو أية أطراف/جهات قمعية. المؤسسات الإعلامية المستقلة هي تلك التي تحدد رسالتها التحريرية بنفسها دون إملاءات. ولديها شفافية كاملة على صعيد ملكيتها وتمويلها. هذه المؤسسات ترفض نظريات المؤامرة وتبجيل الأنظمة الحاكمة وتعتمد مبادئ المساءلة والمحاسبة والاستقصاء، وهي بحاجة إلى دعم مالي، لكنها أيضًا في حاجة إلى دعم تقني حول آلية عملها وإدارتها ومخططاتها الاستراتيجية، وتأمين استدامتها المالية والمؤسساتية. وأيضًا تطوير أشكال تواصلها مع الجمهور، وآلية تأمين الموارد المالية التي تحافظ على جودة عملها واستقلاليتها التحريرية وعلى حقوق العاملين فيها. على هذا الصعيد، لدينا العديد من البرامج من أجل تطوير وتنمية الإعلام المستقل. 

جزء آخر من العمل يتعلق بالأبحاث. نحن أيضًا مؤسسة بحثية تنظر إلى كل التحديات التي يعاني منها الإعلام، وما يرتبط بحرية إبداء الرأي والحصول على المعلومات. هناك تحديات تقنية مرتبطة بآلية عمل مواقع التواصل الاجتماعي، الخوارزميات، الذكاء الاصطناعي. وهناك أيضًا التحديات السياسية المتعلقة بالتضليل الإعلامي والحملات الممنهجة لتشويه صورة بعض الأشخاص، أو من أجل بث أخبار كاذبة للتأثير على قناعات وخيارات الجمهور. وندرس أيضًا طرق وصول المعلومات إلى المواطنين وكيفية تفاعلهم معها. 

وأخيرًا، ننظم مهرجانًا سنويًا، هو مهرجان ربيع بيروت، احتفالاً بالدور الثقافي الذي يمكن أن تقوم به مدينة بيروت ندعو من خلاله كبار الفنانين اللبنانيين والعرب والأجانب لتقديم عروض مجانية، وإتاحة فرصة الاستمتاع بالفن للجميع بغض النظر عن المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي؛ حيث يتمتع الجمهور بأعلى المستويات الفنية والثقافية عبر مسرحيات وعروض راقصة وأفلام، والكثير من الأعمال التي لا يمكن أن تعرض في أية أماكن أو مسارح إلا في بيروت، وذلك بسبب جرأتها. والاستفادة من أجواء الحرية الاجتماعية التي تسمح بها بيروت.

هذه هي نشاطات المؤسسة، بالإضافة طبعًا إلى “الجائزة”.   

حاولنا ترجمة المبادئ عن طريق رصد الانتهاكات والتأكيد على ضرورة المحاسبة وتحقيق العدالة للضحايا، وتترجم الحداثة على صعيد العمل الإعلامي وآلية إيصال المعلومات والأفكار التحررية. والعمل الأساسي بالطبع هو دعم الحرية، وترسيخ فكرة أنها لا يمكن أن تتجزأ. 

4- انطلاقًا من الإجابة الأخيرة، أود أن توضح لنا ثلاث نقاط. النقطة الأولى عن كيفية دعم المؤسسات الصحفية، ما أشكال وآليات هذا الدعم؟ الثانية عن بحث المؤسسة في تحديات عمل الصحافة، ما الخطوة التالية لتحديد طبيعة التحديات؟ هل تعمل المؤسسة مثلًا على خلخلة تلك الأوضاع ؟
والنقطة الأخيرة تتعلق بإتاحة عروض فنية غير مسموح بها رقابيًا، وفكرة إيجاد مساحة أكبر من الحرية لا توفرها الحكومات العربية. ما الرؤية خلف مثل هذه الإتاحة للفنانين والجمهور؟

هذه ثلاثة أسئلة أساسية. حول كيفية دعم الإعلام، فإنه يمكن أن يأخذ أشكالًا مختلفة؛ يمكنه أن يكون دعمًا لإنتاج مواد صحفية ذات جودة عالية، كما في حالة الصحافة الاستقصائية مثلاً، أو بالإضاءة على مجموعات مهمشة في المجتمع، أو تطوير أشكال مبتكرة من العمل الصحافي، من صحافة البيانات إلى البودكاست، أو غيرها مما يعالج موضوعات غائبة عن الإعلام الرسمي.ويمكن أن يأخذ الدعم شكلاً آخر. أسست مؤسسة سمير قصير شركة إعلانات اسمها “الوكالة من أجل المساواة Agency For Equality” هدفها وضع مضمون/محتوى إعلاني مدفوع من قبل إما مؤسسات القطاع الخاص أو المجتمع المدني داخل الإعلام المستقل، الذي يمكنه عبر هذه الطريقة تأمين مداخيل إضافية.

والجانب الآخر من الدعم هو دعم تقني. نقوم بتحليل مفصّل لاحتياجات المؤسسات التي ندعمها، ومعرفة هل هي في حاجة إلى دعم على مستوى  التصميم؟ أم دعم قانوني أم دعم يتعلق بتحليل البيانات أو السياسة التحريرية؟

أما بخصوص السؤال حول الأبحاث؛ فيمكن القول بأن السياسات إذا لم تُبن على براهين وأدلة فإنها تصبح خاطئة. والكثير من السياسات العامة حول التكنولوجيا مثلاً، أو مكافحة الإرهاب، لم تكن معتمدة على حقائق صلبة. نقوم بالدراسات حتى نفهم كيف يستقي الناس المعلومات، وأية أخبار تؤثر في المواطن وما الذي لا يؤثر فيه، وأية أخبار مضمونها مضلل رغم شكلها المقبول جدًا. وما هي الأخبار المهمة لكنها غير مثيرة للاهتمام. وكيف مثلاً تمنع الخوارزميات وصول الأفراد إلى معلومات أساسية يحتاجونها، وكيف تمارس وسائل التواصل الاجتماعي التمييز. ونقوم بعملية ضغط Lobbying  أو بعملية تواصل مع صانعي القرار لمحاولة التأثير على آلية اتخاذ القرارات عبر إثبات وتقديم البراهين. 

 وعن النقطة الثالثة المتعلقة بالأعمال الفنية غير الخاضعة للرقابة، فإن هناك أعمالاً مقبولة في لبنان وتونس، مرفوضة مثلاً في مصر والسعودية، وهكذا دواليك. الموضوع ليس ثابتًا. الفكرة أن مساحة الحرية لا تتجزأ؛ لا يمكن أن نكون أحرارًا بالتعبير عن رأينا السياسي دون أن نكون أحرارًا بالتعبير عن من وكيف نحب. والتعبير عن الأغاني التي نحب سماعها، والمسرحيات التي نحب مشاهدتها. إذا لم تكن عندي حرية الرقص، فلن تكون هناك حرية الخيار السياسي. الحرية لا تتجزأ. هذه فلسفة مؤسستنا، والعمل على توسيع مساحة حريتنا هو عمل مشترك بين الصحافة والإعلام والثقافة ومجالات الحريات والحقوق الاجتماعية. 

5- هل يمكن أن يتوسع نطاق عمل مركز “سكايز” خارج دول المشرق العربي الأربع، حتى يضم دولاً أخرى مثل مصر أو تونس أو السودان ؟ 

 صحيح أن عمل المركز في رصد الانتهاكات بدأ عبر لبنان وسوريا والأردن وفلسطين بسبب تماسنا المباشر مع هذه الدول، وإمكانية وجود فرق عمل داخلها. الأكيد الآن أن تمنينا معاكس تمامًا. أقصد إغلاق المركز وانعدام الحاجة إليه وليس توسيع عمله. كل الدول في المنطقة، من العراق إلى مصر وتونس، المغرب والجزائر، والسودان، دول مجلس التعاون الخليجي، واليمن، كلها  لديها تحديات مرتبطة بالحريات.

لكن إذا تحدثنا مثلاً عن مصر أو العراق أو الجزائر أو المملكة العربية السعودية؛ فإننا أمام دول شاسعة، ومن الضروري أن تكون بها فرق صحافية لا في العاصمة وحسب؛ بل موزعة في مناطقها المختلفة. أما في حالة لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، كان بمقدورنا توفير مراسلين في غالبية مناطق هذه الدول بسبب مساحتها الجغرافية. 

هناك أيضًا دول عربية لديها عدد قليل جدًا من الانتهاكات لكن مستوى الحريات داخلها متدنٍ للغاية. لماذا ؟ لأن الصحفيين بها وكل العاملين بالشأن العام يقومون بالرقابة الذاتية. ويعرفون ما هي الخطوط الحمراء، وما يمكن قوله وما لا يمكن قوله.

بالنسبة إلينا، التوسع إلى دول أخرى وارد، لكن هدفنا الأساسي هو  دعم أي مؤسسة أو مجموعة داخل الدول العربية. ونحن مستعدون لمنحها آلية عملنا، ويمكن لأي منها أن تطورها وفق خصوصية كل دولة على حدة.  في رأينا، هذا أهم من خلق مركزية لكل المعلومات، ما نفضله هو انتشار آلية عملنا بدلاً من أن يتوسع أداء المؤسسة نفسه المتعلق برصد الانتهاكات.

6- قلت في حوار سابق إن سقف “الحكي في السياسة” مرتفع حاليًا في لبنان. لكن هذا مغاير  لسياقات عربية أخرى حيث القمع أكثر منهجية، وقائمة المحظورات أكثر شمولًا. كيف يمكن أن تكون آليات عمل المؤسسة أكثر مرونة حتى يمكنها التحقق في سياقات مختلفة؟ وما المشترك في هذه السياقات رغم اختلاف المعطيات والظروف؟ 

يجب أن نميز بين قيم حقوق الإنسان وآليات العمل، ولن نقبل فكرة النسبية في الحقوق؛ فما كان حقًا  للإنسان في الولايات المتحدة والمكسيك وألمانيا، يكون كذلك في مصر وأستراليا ولبنان. أي انتهاك لحرية التعبير مرفوض أينما كان، بغض النظر عن أي تبرير ديني أو سياسي أو ثقافي أو اجتماعي أو جندري. 

أما عن حدود الحرية، فإن حريتي تتوقف حين تبدأ حرية الآخر. وليس حين يبدأ معتقد الآخر. أضمن حرية الآخر لكن ليس من مسؤوليتي ضمان مشاعره. لا يتوجب علينا احترام رأي الآخر لكن علينا احترام شخصه وحريته. يمكن أن يكون رأيك سيئًا للغاية، ومن حقي أن أقول إنه لا يساوي شيئًا، حتى لو أسميته “الدين”. وهذا مبدأ لا نساوم عليه. 

لكن لدينا كذلك مبدأ عدم الأذية Do no Harm. حين نعرف أن رغبة أحدهم في التعبير عن وجهة نظر بعينها في دولة معينة قد تعرضه للمخاطر، فإننا ننصحه بالتعبير عنها بطريقة أخرى، من خلال مجال آخر أو في دولة أخرى.

عن جائزة سمير قصير ودعم العمل الصحافي والحقوقي

7- في رأيك، كيف تدعم “جائزة سمير قصير” الصحافة العربية؟ وما معايير الجائزة؟ وهل تنحصر فقط في معالجة موضوعات مثل “دولة القانون وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير والحكم الرشيد”؟ أم أن هناك معايير أخرى تراها المؤسسة في مقال الرأي أو التحقيق الاستقصائي؟

من المهم للغاية عمل دراسة عامة عن دور جوائز الصحافة. لكن يمكن القول بأن ما يعنينا الآن هو مستوى المشاركة، ومعدل أعمار المشاركين. بعد مرور 19 عامًا منذ التأسيس، تجذب الجائزة عددًا متصاعدًا من المتبارين. ونلاحظ أن هناك مشاركين يصلون إلى المرحلة النهائية من مواليد عام 2001. هذا دليل على أن الجائزة تمثل عنصر جذب، وأنها تتجاوز فكرة الأنا الصحافية، لأنها تمنح لمضمون ما يكتبه الفرد. 

أما بالنسبة للمعايير، صحيح أن الموضوعات يجب أن تكون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات والحكم الرشيد، لكن آلية الاختيار مرتبطة أولا بلجنة التحكيم. وأهم ما يميز الجائزة هو أن أعضاء لجنة التحكيم يتغيرون كل عام. من عام 2006 إلى 2024 لن تجد عضوًا كان ضمن لجنة التحكيم لسنتين. 

يجب أن نأخذ في عين الاعتبار التقييم الشخصي والاهتمامات الشخصية لكل عضو في اللجنة. لكن ما الذي نطلب منهم تقييمه؟ عندما نستلم الترشيحات ونتأكد من مطابقتها المواصفات التقنية؛ من جنسية الكاتب والناشر وحجم المقال وتاريخ نشره، يتم التقييم وفق أربعة معايير: 

الأول: أهمية الموضوع، بمعنى أن الموضوعات الراهنة لها تقييم أعلى.

الثاني: التقنية الصحفية، أي المهارة في الكتابة والتصوير. 

الثالث: الجمال، أو مدى قدرة الموضوع على الجذب. 

الرابع: التجديد والابتكار، على مستوى الشكل أو المضمون. هل أتى ذلك المقال أو التقرير بقيمة مضافة إلى العمل الصحافي أم لا؟ 

يقوم بالتقييم اثنان أو ثلاثة من أعضاء اللجنة، ويتم اختيار العشرة الأوائل. ويضيف بعدها الأعضاء الأربعة أو الخمسة المتبقون علاماتهم وفق نفس المعايير، ثم يتم تحديد القائمة القصيرة من ثلاثة مشاركين عن كل فئة. تجتمع لجنة التحكيم قبل 48 ساعة من الإعلان للنقاش ومقارنة الأعمال. يدور النقاش، والذي يتفاعل من خلاله كل عضو في اللجنة حسب تخصصه؛ سواءً كان في المجال الأكاديمي أو النشاط  الحقوقي أو الممارسة الإعلامية وهكذا، وفي النهاية يتم اختيار الفائز.

8- أسوة بسمير قصير، الذي دافع عن قيم ومبادئ أساسية في مواجهة الاستقطاب، كيف يمكن أن تواجه “مؤسسة سمير قصير”، أو أي مؤسسة صحفية مستقلة، ضغط الحكومات واستقطاب الأحزاب والطوائف من جهة، وإملاءات الممولين والجهات المانحة من جهة أخرى؟   

دافع سمير قصير عن مواقف سياسية وعن قيم ومبادئ كبرى. وينبغي علينا معرفة الفارق بين السياسة اليومية والمبادئ العامة فيما يتعلق بالرأي العام، وأن نحترم دورنا كمؤسسة حقوقية غير حكومية غير ربحية. خلال سنوات طويلة، كانت المؤسسات الأمريكية والأوروبية الكبرى تأخذ التمويل الضخم من مموليها ثم تنظم نشاطات في دولنا. وتتعاون مع مؤسسات محلية مثلنا من أجل تطبيق هذه النشاطات والبرامج.  هذا عصر لم نعد مؤيدين له. 
كان الكثير من تلك البرامج يُسقط من علٍ دون أن يكون له ارتباط حقيقي بالاحتياجات المحلية. كانت النشاطات التي تُنفذ هي نفسها في القاهرة والرباط وبيروت، وهو ما لم يكن مناسبًا. الدور الأساسي الذي أردنا أن نلعبه هو إثبات أن الأولوية تُصنع هنا، من مدننا العربية. تصنع في بيروت والقاهرة وتونس وبغداد. ويجب إيصال هذه الأولويات إلى الجهات المانحة عبر لغة يمكنهم فهمها، وتعبر في الوقت نفسه عن الاحتياجات المحلية. وكذلك إثبات أن لدينا القدرة التقنية والمالية والإدارية على تسيير هذه البرامج دون المرور عبر وسيط أوروبي أو أمريكي. ومن خلال تنفيذ ما سبق، نبعث رسالة مفادها ضرورة الانطلاق من أرض الواقع لا إسقاط برامج عامة. يتناقض ذلك مع ما يروج ضدنا من أفكار قمعية تحت دعاوى تنفيذ الأجندة الغربية الإمبريالية المشبوهة الصهيونية، وغيرها من الثرثرة الفارغة.

لنكن واقعيين. لن يأتي التمويل اليوم للدفاع عن حقوق الإنسان من حكومات عربية. ولن يأتي من رجال أعمال عرب لديهم مصالح اقتصادية مع قوى قمعية. نقطة ومن أول السطر. لن يأتي التمويل إلا من أشخاص يقيمون في دول تسمح لهم بالتصرف في أموالهم كما يحلو لهم دون أن يسجنوا. ويُقدم التمويل أيضًا من برامج تمويل دولية، حكومية أو غير حكومية. الهدف هو الاستفادة من الموارد المتاحة لتأمين دعم الخيارات والقيم التي نعمل من أجلها، ودعم المجموعات التي نمثلها. 

9- سؤال أخير: ما تطلعات المؤسسة إلى المستقبل؟ 

يجيب مهنا باسمًا: الهدف هو إغلاق المؤسسة وانعدام الحاجة إليها. لكن الهدف الأكبر أن نكون الرافد الأول لدعم نظام بيئي Ecosystem مناسب. وليس فقط في الإعلام؛ إنما لجميع الأطراف المدافعة عن حقوق الإنسان والرافضة للسياسات المبنية على الهويات القاتلة، ولفكرة الخضوع للقمع العسكري أو الديني أو السياسي. هدفنا أن نكون جزءً أساسًا من الأرضية الخصبة الداعمة لمثل هذه الأطراف.

مشاركة الخبر