شكّل الإعلام في سوريا، الرسمي والخاص على حدّ سواء، منذ بداية الثورة في سوريا، حلفاً مصيرياً مع المؤسستين العسكرية والأمنية، فأصبح الإعلام بكل أشكاله يُقاد ويُصنع بطريقة خاصة وبآليات مختلفة عما سبق. وفي هذا السياق، نسلّط الضوء على الآليات والأساليب التي خضعت لها وسائل الإعلام السورية بأطرافها الاربعة، الإذاعات والتلفزيون والصحف والمواقع الإلكترونية، ونبدأ اليوم مع الإذاعات.
لقد جاء توقُّف إذاعة "شهبا" الخاصة في سوريا عن العمل، لأسباب اقتصادية فقط، ولا علاقة له بالمواقف من طريقة تسخير الإذاعات السورية الخاصة لمصلحة النظام السياسي الحاكم. فمعظم وسائل الإعلام السورية لم تخرج عن الخط المرسوم لها مسبقاً، أي قبل بدء الثورة في سوريا، لكن مع بدايات الثورة أُعطي بعض تلك الوسائل مزيداً من الصلاحيات والخصوصية في الطرح المدافع عن النظام، مع بداية شهر آذار/مارس من العام 2011.
تلك الصلاحيات رسمت ملامح إعلام جديد في سوريا، والجديد هنا لا يعني التطور، بل جديد على صعيد الطريقة والأسلوب والغرابة. فقد أصبحت محطات إذاعية كثيرة عبارة عن نسخ محسّنة قليلا عن الإذاعة الرسمية مع قليل من التغير بنظرية شيء مقابل شيء، أي استضافة معارض من لجان التنسيق المحلية يتوجب استضافة طرف مقابل له من النظام وتكون الأولوية لضيف النظام.
تلك الإذاعات الممنوعة من الخوض في أي جانب من جوانب الحياة، عدا الاستهلاكية منها والتجارية فقط، أي الإعلانات والأبراج في أحسن الظروف والأحوال، خرجت عن المنع بقرار شفهي طبعاً، وتحولت كحال إذاعة "شام أف أم" وهي واحدة من المحطات الإذاعية الرائجة، إلى منبر للحوار السياسي الذي أعطي قليلاً من هامش حرية مصطنع.
الاصطناع ليس تهمة جزافية لهذا العمل الذي انتهجه الكثير من المحطات الأخرى، ولكن الاصطناع هنا توصيف للحالة الهجينة والإرباك الذي أصاب الكوادر العاملة في هذه المحطات، وهو وصف لحالة عدم التفهم من معظم الأطراف السورية لهذا النوع المحدث من الإعلام.
فبحسب إحدى محررات البرامج المستقيلة من إذاعة "شام أف أم"، والتي فضّلت عدم ذكر اسمها، فإن الإذاعة لم تلقَ الرضا من السوريين، لا معارضين ولا موالاة، فالفئة الأولى اتهمت الإذاعة بالتشبيح والثانية اتهمتها بالخيانة والإندساس، وبحسب المحررة نفسها، فعلى الرغم من هذه الصورة غير الدقيقة لمدى انتشار هذه الإذاعة إلا أنها لقيت مساحة واسعة من المتابعة من قبل السوريين حيث كانت الاذاعة الوحيدة تقريباً التي بثت أنباء خروج تظاهرات في عدد من المدن السورية.
وعلى الرغم من عدم قانونية العمل الإخباري للإذاعات الخاصة بحسب قوانين الإعلام السورية، فقد سمحت وزارة الإعلام وبموافقة القيادة السياسية، للكثير من الإذاعات الخاصة بتناول الملفات السياسية الداخلية، فعملت إدارة إذاعة "شام" كغيرها على فرد مساحة واسعة للأخبار السياسية ومناقشتها مع المعنيين والمختصين، فاستوديو "الشام" الذي كانت تقدمه الإعلامية سهير الذهبي احتل مساحة متابعة كبيرة لدى الجمهور العادي وأصحاب الرأي على حد سواء، بحسب المحررة المستقيلة.
والمحررة التي قدّمت استقالتها، بسبب خروج الاذاعة عن النهج الإعلامي الموضوعي وميلها الواضح الى النظام، ترى رغم موقفها الناقد للإذاعة أن برامجها السياسية كانت تحظى بقبول لدى جميع المستمعين رغم الاتهامات بالاندساس أو التشبيح التي طالت بعض العاملين من المؤيدين أو المعارضين، لكن هذه التهديدات لم تصل الى حد خطير كما حدث مع قناة "الاخبارية" السورية.
والسبب، برأي المحررة، هو أن سقف الإذاعة كان يقف عند حدود وحدة سوريا وجيشها ودون ذلك من قضايا فساد لا تشكل سقف حرية جديداً، ورغم ذلك ارتفعت بعض الاصوات التي كانت تطالب بعدم فتح مثل هذه الملفات وتأجيلها الى انتهاء الازمة، لأنه وبحسب رأيهم "الوقت غير مناسب وسوريا تتعرض لمؤامرة كبيرة".
حال إذاعة "شام" يمثل واقع باقي الإذاعات الخاصة وهي 16 إذاعة فقط، وبحسب القانون لا يوجد ما يسمّى ترخيص إذاعة بل يوجد موافقة إذاعة تجارية أي إعلانية فقط، والتي تمثل اليوم بشكل أو بآخر منبراً إعلامياً يحاول تبرير ما يجري على الأرض وتأكيد نظرية المؤامرة والعصابات الإرهابية المسلحة.
بالطبع كان للأزمة الاقتصادية أثر على واقع هذه الوسائل، فهي اليوم استغنت عن الكثير من العاملين فيها أو عملت لتخفيض أجور من تبقّى منهم، وبينها إذاعات عمدت إلى بث ساعات من الغناء عوضاً عن البرامج.