وصلت موجة معاداة أفراد مجتمع "الميم-عين" في لبنان، إلى فيلم "باربي"، من خلال هجوم شنّه وزير الثقافة اللبناني محمد المرتضى، الأربعاء، مطالبا بمنع عرضه في البلاد بحجة ترويجه "للشذوذ والتحول الجنسي، وتعارضه مع القيم الأخلاقية والإيمانية"، حسب تعبيره.
المرتضى وصف الفيلم بأنه "يسوق لفكرة بشعة وهي رفض وصاية الأب وتوهين دور الأم وتسخيفه والتشكيك بضرورة الزواج وبناء الأسرة، وتصويرهما عائقا أمام التطور الذاتي للفرد لا سيما للمرأة"، مشددا أن "عرضه في لبنان سيكون له أبشع الآثار والنتائج لا سيما على الأطفال بشكل خاص والناشئة بشكل عام".
واستند وزير الثقافة اللبناني في هجومه، بحسب بيان أصدره، على ما خلُص إليه اللقاء الوزاري التشاوري الذي انعقد في "الديمان" قبل يومين، من ضرورة "التشبّث بالهوية الوطنية وآدابها العامة وأخلاقياتها المتوارثة جيلا بعد جيل، وقيمها الإيمانية لا سيما قيمة الأسرة، وحمايتها، ومواجهة الأفكار التي تخالف نظام الخالق والمبادئ التي يُجمع عليها اللبنانيون"، ولذلك دعا إلى توجيه كتاب للأمن العام، عبر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولولي، لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
يشغل فيلم باربي، الذي يلعب بطولته، الممثلان مارغوت روبي وراين غوسلينغ، العالم، منذ بدء عرضه في 21 يوليو، وهو أول عمل من كتابة وإخراج امرأة تتخطى إيراداته حاجز المليار دولار، بعد 17 يوم فقط من طرحه في دور السينما، وفقا للشركة الموزعة "وارنر براذرز"، ليصبح الفيلم ظاهرة سينمائية عالمية تمكّنه من نيل العديد من الترشيحات في سباق الأوسكار المقبل، على غرار فيلم "توب غان مافريك" السنة الماضية.
وتدور قصة الفيلم الترفيهي الأميركي الذي أثار صدى إعلاميا واسعا في الدول العربية، ومنع عرضه في عدد منها، حول الدمية باربي التي تخرج من مدينتها الوردية، لأنها لم تكن مثالية، لتنتقل إلى العالم الحقيقي حيث تواجه مع صديقها كين الكثير من المشاكل والصعاب.
تعنيف ثقافي
واجه قرار وزير الثقافة اللبناني حملة انتقادات عنيفة على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل ناشطين لبنانيين، اعتبروه تضييقا إضافيا وانتهاكا جديدا للحريات الفنية في لبنان.
ومن الذين انتقدوا القرار الفنانة إليسا، التي اعتبرت في تغريدة عبر صفحتها على موقع "إكس" أن منع فيلم باربي "من أسخف القرارات اللي عم تزيد رجعية الدولة ومؤسساتها"، مضيفة "إن شاء الله وزير الثقافة ما يعرف شو في مواد الإنترنت وعا نتفلكس أحسن ما يقطع عنا الاتصالات كمان... مين بدو يخبر دولتنا إنو اللي بيخاف عا قيم المجتمع من فيلم بتكون المشكلة بالمجتمع مش بالفيلم؟".
وفي حديث مع موقع "الحرة" وصف الناقد والمستشار السينمائي، إلياس دمّر، بيان مرتضى بأنه "خطوة إضافية في تراجع لبنان على المستوى الثقافي وبالتحديد السينمائي"، مشددا أنه "من حق جميع اللبنانيين سواء كانوا معارضين أو مؤيدين للأفكار التي يتناولها الفيلم، مشاهدته، لينتقدوا موضوعه وإخراجه وكتابته، ويقرروا إن نال إعجابهم من عدمه، لا أن يتم تعنيفهم ثقافيا بمنعه".
يضيف دمّر: "إن كان هناك أي حساسية تجاه الفيلم، فإنه يمكن للبنان أن يحذو حذو الدول العربية، التي رفعت تصنيفه من +13، إلى +15، ، وفي أسوأ الحلول يمكن تصنيفه +18، ولكن لا أن يمنع عرضه كليا".
ويتابع أن "الصدمة الكبرى هي أن الإمارات والسعودية والبحرين بدأت عرض الفيلم اليوم الخميس، في حين أن لبنان الذي كان السباق دوما في ذلك لم يؤجله فقط، بل هناك توجه لمنعه".
ومنح مجلس الإعلام الإماراتي الفيلم الموافقة على عرضه في دور السينما المرخصة بعد استكمال الإجراءات اللازمة، بما يتماشى مع معايير المحتوى الإعلامي والتنصيف العمري، مع العلم كما يقول دمّر أن "الدول الخليجية حظرت أخيرا عرض أحدث أفلام سلسلة "سبايدر مان"، بعدما أثار جدلا على خلفية تضمنه مشهدا يُظهر راية تدعم العابرين جنسيا".
كلام دمّر تؤكده الباحثة والصحفية في مؤسسة سمير قصير، وداد جربوع التي اعتبرت في حديث لموقع "الحرة" أن "وزير الثقافة يصب جهوده لمنع عرض فيلم في بلد منهار على جميع الأصعدة، بدلا من العمل على إيجاد حلول للمشاكل الكبرى التي أنهكت اللبنانيين".
ولم يتسن لدمّر مشاهدة الفيلم، الذي كان مقررا عرضه في صالات السينما اللبنانية أواخر الشهر الجاري، إلا أنه في ذات الوقت يؤكد أن "نقاد عربيين تمكنوا من مشاهدته بطريقة غير شرعية أي أونلاين، وقد أجمعوا على تضمنه أبعادا اجتماعية ونفسية وثقافية لا علاقة لها بأي من الإيحاءات التي أشار إليها وزير الثقافة اللبناني في بيانه، وتهويله غير الواقعي، لا بل على العكس أثنوا على الأبعاد الذكية التي أضاءت عليها الكاتبة والمخرجة بعدما أخرجت الدمية من عالم المثالية إلى عالم الواقع".
ليس المطلوب كما يشدد الناقد السينمائي أن "تصبح الأفكار التي يتناولها الفيلم جزء من المجتمع اللبناني، مع العلم أن العابر الجنسي فيه لا يلعب دورا أساسيا إذ بالكاد يمر مرور الكرام، وسواء شئنا أم أبينا فإن العالم يتغير، والفئات العمرية التي يتم التحجج بحمايتها مما يتضمنه الفيلم يمكنها تحميله ومشاهدته عبر الإنترنت، بالتالي منع عرضه ليس حلا، إلا إن أراد المسؤولون اللبنانيون منع الإنترنت، كما أن إعطاء الفيلم أهمية أكبر من حجمه هو ما سيدفع من يشاهده إلى التركيز عليه والتأثر به".
مبادئ الرقابة
تستند آلية السماح أو منع عرض الأفلام السينمائية في لبنان، بحسب جربوع "إلى القانون الصادر في العام 1947، الذي أخضع الأفلام المحلية والأجنبية إلى مصلحة المراقبة في الأمن العام أولا، لتحديد فيما إن كانت تمنحه إجازة للعرض، أو أن هناك أسبابا موجبة لمنعه أو حذف مشاهد منه، وفي هذه الحالة تحوّله إلى لجنة رقابة مؤلفة من عدة وزارات إضافة إلى مندوب من الأمن العام، هذه اللجنة إما أن تسمح بعرضه أو ترفع توصية إلى وزير الداخلية صاحب القرار النهائي في تحديد مصيره".
أما المبادئ التي يجب أن تراعى في قرارات المراقبين، بحسب القانون الصادر عام 1947 فهي "احترام النظام العام والآداب وحسن الاخلاق، وكذلك عواطف الجمهور وشعوره، وتجنب ايقاظ النعرات العنصرية والدينية، والمحافظة على هيبة السلطات العامة، ومقاومة لكل دعوة غير مؤاتية لمصلحة لبنان".
تحكم الرقابة على الأفلام في السنوات الأخيرة، ثلاثة أمور أساسية، وهي بحسب الباحثة في مؤسسة سمير قصير "الجنس والسياسة والدين"، مؤكدة أن منسوب منع عرض الأفلام ارتفع، "تحديداً التي تسيء إلى الأديان أو تتعرض للوضع السياسي المعقد في لبنان أو تتضمن مشاهد حميمة تجمع بين شخصيات مثلية".
وتضيف أنه "منذ بداية العام الحالي جرى منع ثلاثة أفلام، أولها سكريم6 بسبب وجود شخصيات المجتمع الميم عين، ثانيها فيلم سبايدرمان بسبب وجود عبارة تدعو إلى حماية الأطفال المتحولين جنسياً، وثالثها بلاك لوتس بسبب مشاركة الممثلة الإسرائيلية لورا شيمون فيه".
بين المنع والتأجيل
إذا كان لبنان لم يحسم قراره بعد بشأن عرض فيلم باربي، فإن الكويت، وعلى عكس الإمارات والسعودية والبحرين، اتخذت قرارا بحظره مع فيلم "توك تو مي".
وأرجع وكيل وزارة الإعلام لشؤون الصحافة والنشر والمطبوعات، رئيس لجنة رقابة الأفلام السينمائية لافي السبيعي، في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية، سبب اتخاذ هذا القرار إلى حرص اللجنة على منع كل ما "يخدش الآداب العامة أو يحرض على مخالفة النظام العام والعادات والتقاليد ويدعو لأفكار دخيلة على المجتمع".
وأشار إلى أن اللجنة، وقبل اتخاذها قرارها بإجازة عرض أي فيلم، "تطلب حذف بعض المشاهد المخلة، أما إذا كان يحمل أفكارا لتشجيع سلوك غير مقبول ورسالة من شأنها تشويه القيم السائدة للمجتمع عندها يتم اتخاذ قرار منعه تماما"، موضحا أن "هذا ينطبق على أي فيلم يتضمن رؤية مختلفة للقيم تتعارض مع رؤية مجتمعنا وعاداتنا".
أما مصر فسبق أن أعلنت مجموعة سينمات فوكس تأجيل عرض باربي إلى 31 أغسطس، بعد ما كان من المقرر طرحه يوم 19 يوليو الماضي بالتوازي مع دور السينما العالمية.
"الضرر الوحيد والكبير من عدم عرض فيلم باربي في لبنان، مالي واقتصادي، سيتحمله أصحاب دور السينما وليس الموزع الذي يحمل الجنسية الإماراتية"، ما يشكل بحسب دمّر "ضربة جديدة لهذه الدور التي تحاول استعادة عافيتها في ظل الأزمة الاقتصادية وبعد وباء كورونا".