لعلّ ما حصل في حاصبيّا فجر الجمعة الماضي من استهداف لمكان إقامة الصحافيّين وسقط بنتيجته ثلاثة شهداء وعدد من الجرحى، يُعزّز بما لا يدعو للشّكّ المخاطر الكبيرة التي يتعرّض لها الصحافيّون خلال تأدية عملهم الصحافي، وعلى الرغم من أنّ الاستهداف ليس الأوّل من نوعه، إلّا أنّه يطرح بقوّة مسألة سلامة الصحافيّين والمخاطر الجسيمة التي يتعرّضون لها وتطال حياتهم.
فالصحافيّون اللبنانيّون تحديدًا هم في مرمى النيران الإسرائيليّة أكثر من أيّ وقت مضى، إذ خسر الجسم الصحافيّ منذ بداية هذا العدوان 11 صحافيًّا أثناء تأدية واجبهم، وهم عصام عبدالله (13 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023)، فرح عمر وربيع معماري (21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023)، هادي السيّد (23 أيلول/ سبتمبر 2024)، كامل كركي (25 أيلول 2024)، حسين صفا (11 تشرين الأوّل 2024)، محمد غضبون (16 تشرين الأوّل 2024)، علي الهادي ياسين (23 تشرين الأوّل 2024)، محمد بيطار (16 تشرين الأوّل 2024)، وسام قاسم، غسان نجار ومحمّد رضا (25 تشرين الأوّل 2024).
وفي حين أنّ الخطر الأمنيّ والسلامة الشخصيّة تأتي في سلّم الأولويّات في ظلّ الحروب، إلّا أنّ هذا الخطر ليس العامل الوحيد الذي يعترّض له عمل الصحافيّين في الجنوب اللبنانيّ، حيث باتت البلدات الحدوديّة شبه خالية، وبات التنقّل من بلدة إلى أخرى، حتّى للطواقم الصحافيّة، يعترضه كثير من المحاذير والمخاوف.
غياب الحماية ليس وحده العائق
يسرد الصحافيّ ومراسل تلفزيون سوريا في لبنان أحمد القصير، في حديث لـ “مناطق نت” أبرز ما اعترض عمله في تغطية الحرب في الجنوب، مشيرًا إلى غياب “مظلّة حماية الصحافيّين، فأنت في مكان ممكن استهدافه في أيّ لحظة، خصوصًا في الفترة الأخيرة حيث باتت كثير من الطُرقات تُعتبر خطرة”. ويلفت إلى صعوبة “إيجاد مكان للنوم، وهذا ما دفع كثير من الصحافيّين للانتقال من مرجعيون إلى حاصبيا بعد أن نزح أصحاب الفنادق في مرجعيون، في حين أنّ حاصبيّا ليست مُطلّة على المنطقة التي تدخل ضمن إطار تغطيتنا المباشر”.
ولفت إلى عامل آخر يُعيق عمل الصحافيّين يتمثّل في أنّ “القرى الأماميّة باتت خالية من السكّان وبالتالي من الصعب تنفيذ أيّ تقرير ميدانيّ عن أحوال هذه القرى”. وثمة صعوبة أخرى هي “الحصول على الأذونات الرسميّة المطلوبة للتغطية الصحافيّة خصوصًا أنّنا وسيلة إعلاميّة غير محلّيّة”.
كثيرة هي المشاهد التي اختزنتها ذكريات القصير، “فـالغارات كانت قريبة منّا في كثير من المرّات”. ويستذكر حادثة حصلت معه وتحديدًا بعد أن قصد أحد الأفران المحاذية لبلدة مرجعيون بغية تناول الفطور، وفي اليوم التالي زار المكان عينه إلّا أنّه وجده مدمّرًا جرّاء غارة إسرائيليّة، “وعند تدقيقي في وقت الغارة اكتشفت أنّه استُهدف بعد مغادرتنا بنحو نصف ساعة”.
ويلفت إلى أنّ “أجمل ما شاهدته في الجنوب هو مروري في الطريق المحاذي للحدود الفلسطينيّة المحتلّة في كفركلا بعد شهرين على بداية الحرب”. ويربط القصير ذلك “بمشاهد الدمار الذي تعرّضت له البلدة في الآونة الأخيرة المؤذية بشكل كبير للمشاعر ولأهل البلدة”.
لا مناطق آمنة للصحافيّين
وفي السياق عينه، يؤكّد الصحافيّ المستقلّ، محمّد زيناتي، في حديث لـ”مناطق نت” أنّ “أكثر ما يعترض طريق عملنا الرسالة التي وجّهها الجيش الإسرائيليّ، من خلال استهداف زملائنا الصحافيّين بشكل مباشر، بأنّنا بتنا تحت مرمى نيرانه”. ويلفت إلى أنّ “هؤلاء الزملاء لجأوا إلى منطقة ليس فيها أعمال حربيّة واعتبروا أنّهم بعيدون من أماكن الاستهداف، وعلى رغم ذلك جرى استهدافهم في أماكن إقامتهم وهذا دليل إضافيّ على همجيّة الاحتلال، ومحاولته إسكاتنا ومنعنا من نقل الصورة”.
ويوضح زيناتي أنّه “منذ بداية الحرب، يصعب أن تجد يومًا واحدًا لم يتخلله قصّة أو حكاية أو حدث انطبع في ذاكرتنا، فاستهداف المدنيّين أو الأطفال أو زملائنا الصحافيّين ترك فينا أثرًا كبيرًا”.
انتهاكات بحق الطواقم الصحافيّة
إضافة إلى ذلك، فإنّ التحدّيات التي تواجه عمل الطواقم الصحافيّة لا تقف عند هذه الحدود، إذ يُشير المسؤول الإعلاميّ في مؤسّسة سمير قصير جاد شحرور، في حديث لـ”مناطق نت”، إلى “أنّنا نشهد ثلاثة أنواع من الانتهاكات التي يتعرّض لها الصحافيّون في الحرب الحاليّة، الأوّل متمثّل بالاستهداف المباشر الذي نتج عنه استشهاد عدد من الصحافيّين، والثاني هو استهداف الطواقم الصحافيّة وما ينجم من ضرر في المعدّات أو جروح طفيفة للصحافيّين، والثالث هو التعدّي عليهم أثناء تغطيتهم لأماكن الاستهداف”.
ويلفت شحرور إلى أنّ “المتعارف عليه في الحروب أنّ مناطق التغطية للصحافيّين هي مناطق متّفق عليها، ولا يتمّ استهدافها وتُعرف باسم (غرين زون)”، موضحًا أنّ “غالبيّة القنوات غير المحلّيّة يتّخذون الإجراءات اللازمة من التواصل مع الجيش اللبنانيّ واليونيفيل، ومعظم الصحافيّين ممّن يغطّون الحرب في الجنوب شاركوا بتدريبات، أجرتها مؤسّستنا أو مؤسّساتهم الخاصّة، حول سلامة الصحافيّين والتعامل مع مناطق النزاع”. وعلى رغم ذلك، يرى شحرور أنّ جميع هذه الإجراءات تصبح “بدون جدوى عند وجود استهداف مباشر لمنطقة الصحافيّين، وهذا ما حدث مع الصحافيّين الذين استشهدوا في الجنوب إذ إنّهم لم يكونوا في مناطق نزاع مباشر وإنّما جرى استهدافهم بشكل مُتعمّد”.
ويلفت شحرور إلى أنّ “الجيش الإسرائيليّ يُمارس التعتيم الإعلاميّ، ويحاول منع أيّ صحافيّ من نقل الصورة من الجنوب، وقد يحدث هذا الأمر في منطقة البقاع”، مشيرًا إلى أنّ ذلك بمثابة “طمس للحقيقة ومنع بناء أيّ سرديّة من الجانب اللبنانيّ عن الإجرام الإسرائيليّ، وهذا ما حدث في غزّة حيثُ اغتيل أكثر من 180 صحافيًّا بهدف طمس الحقيقة”.
في السياق عينه، يرفض شحرور “الاعتداءات المباشرة على الصحافيّين من قبل حزب الله وعرقلة عملهم وأخذ هواتفهم واقتيادهم إلى أماكن مجهولة والتحقيق معهم”. مضيفًا أنّ “الشحن الطائفيّ وتركيبة الإعلام اللبنانيّ سمحت بشكل من الأشكال أن يكون هناك خطاب تخويني بين المؤسّسات الإعلاميّة من جهة، وبين المؤسّسات الإعلاميّة والأحزاب من جهة أخرى”.