تأثير مساعدات المانحين على حقوق الإنسان والحرّيات المدنية
تسعى هذه الدراسة إلى معالجة اتّجاه واضح للعيان، هو زيادة انتهاكات حقوق الإنسان والحرّيات المدنية التي ترتكبها المؤسسات الأمنية والقضائية اللبنانية، بالرغم من دعم الجهات المانحة الغربية لهذه المؤسسات. وعلى وجه التحديد، تحاول الدراسة فهْم أسباب الفجوة بين مساعدة الجهات المانحة الغربية لهذه المؤسسات من جهة – وهي مساعدة تُعطي الأولوية لاحترام حقوق الإنسان والحريات المدنية – والزيادة في انتهاكات مؤسسات العدالة الجنائية من جهة أخرى. لتحقيق هذا الهدف، سعت الدراسة إلى الإجابة عن الأسئلة الشاملة التالية:
- كيف يقدّم المانحون الدوليون المساعدة إلى المؤسسات الأمنية والقضائية اللبنانية؟
- ما هو تأثير هذه المساعدة على الأداء المتعلّق بحقوق الإنسان والحرّيات المدنية؟
- ما هي التحدّيات التي تترافق مع تقديم الدعم الهادف إلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريّات المدنية في البلاد؟
من شأن الإجابة عن هذه الأسئلة أن تساعد المجتمع الدولي والمجتمع المدني اللبناني والجهات الفاعلة الحكومية على فهم الحدود التي يصطدم بها دعم المانحين. كما سيوضّح ذلك أيضاً الخطوات التي يمكن اتّخاذها لزيادة فعالية المعونة المقدّمة من المانحين، بغية تعزيز حقوق الإنسان والحرّيات المدنية وصونها.
تقترح الدراسة التوصيات الأساسية التالية:
- ينبغي أن يأخذ المانحون في الاعتبار، من خلال مساعداتهم، استياء المواطنين اللبنانيين من المنظومة السياسية الحاكمة، وقيام هذه الأخيرة باستغلال المؤسسات القضائية والأمنية لملاحقة الأصوات المعارِضة والانتقادات المشروعة. بعبارة أخرى، يجب أن تستجيب هذه المساعدات للسياق المتغيّر الذي يتمّ فيه قمع شكاوى الشعب المشروعة من خلال إساءة استخدام القوانين واللجوء إلى القوة المفرطة.
- يجب أن تهدف هذه المساعدات إلى تعزيز الأطر المؤسساتية والقانونية الداعمة لتعزيز حقوق الإنسان والحرّيات المدنية وصونها. فعلى المانحين الدوليين الاستمرار في دعم جهود الإصلاح الموجهة نحو سدّ الثغرات المؤسساتية والقانونية التي يتمّ استغلالها من قِبل الجهات الفاعلة السياسية والأمنية والقضائية، والتي تؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان والحرّيات المدنية.
- يجب أن تشمل مشاريع تقديم المساعدة تركيزاً أكبر على تطبيق المعارف المكتسبة والقانون الحالي. فينبغي أن تتضمّن مشاريع تطوير القدرات، في مرحلة تصميمها، ميزاتٍ تسهّل وتشجّع الجهات الأمنية والقضائية على تطبيق المعارف المكتسبة في مجال حقوق الإنسان والمواضيع ذات الصلة ضمن نطاق عملها، بالإضافة إلى ضرورة اعتماد معايير لتتبّع مسار هذه الإجراءات. كما ينبغي أن تركّز جهود المساعدة على تمكين الجهات الأمنية والقضائية من تطبيق التشريع القائم، وهو أمرٌ يمكن تضمينه في تصميم مشاريع تطوير القدرات. باختصار، من الضروري ألا تقتصر مشاريع المساعدة التي يطبّقها المانحون على تطوير قدرات الجهات الأمنية والقضائية من خلال ورش العمل التدريبية وحدها.
- على مشاريع المساعدة التي يطبّقها المانحون التركيز على الجهات الفاعلة الأمنية والقضائية الأكثر ميلاً إلى ارتكاب الانتهاكات. تُظهر الدراسة أنّ مشاريع مساعدة القطاع الأمني والقضائي الهادفة إلى تعزيز حقوق الإنسان والحرّيات المدنية لا تستهدف بعض المؤسسات الأكثر ميلاً إلى ارتكاب المخالفات. ومع أنّ حمل هذه الكيانات على تغيير سلوكها يتطلّب وجود عوامل أخرى، كالتخلّص من النفوذ السياسي المفرط، إلا أنّ التركيز على المؤسسات والجهات الفاعلة الأكثر ميلاً إلى ارتكاب المخالفات سيساهم، على الأقل، في غرس حسّ أكبر بالمهنية واحترام الواجبات في هذه المؤسسات، مما يمكن أن يثمر عن نتائج أفضل في المدى القريب.
- على المانحين الدوليين التركيز أكثر على معالجة العوامل المنهجية التي تساهم في استدامة انتهاكات حقوق الإنسان والحرّيات المدنية. كما يتعيّن عليهم الاستفادة من الأدوات الموجودة في تصرّفهم للتغلّب على المعارضة السائدة في المنظومة السياسية الحاكمة تجاه كافة جهود الإصلاح. فلا يخفى على أحد أنّ المؤسسات الأمنية والقضائية اللبنانية هي جزء من منظومة سياسية أكبر تخضع فيها مؤسسات الدولة لتأثير الطبقة السياسية والطائفية الحاكمة وسيطرتها. نتيجةً لذلك، حتى وإن ساهمت مساعدات المانحين الدولية في سدّ الثغرات القانونية القائمة، وتعزيز مؤسسات رصد حقوق الإنسان، وتصميم مشاريع أفضل لاستهداف الجهات الأكثر ميلاً إلى ارتكاب المخالفات، فمن غير المرجّح أن يتمّ إحراز تقدّم منهجي على صعيد الحدّ من انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من قِبل الجهات الأمنية والقضائية، لا سيّما وأنّ هذه الإجراءات لا تعالج الأسباب الجذرية لهذه الانتهاكات، أي النظام الطائفي السياسي نفسه.
- ما زالت هذه الجهود مطلوبة على وجه التأكيد، ويمكنها أن توجد الزخم اللازم لإجراء المزيد من الإصلاحات المستدامة. لكن ينبغي أن تترافق مع مساعدات المانحين الدوليين من أجل تطبيق الإصلاحات الجوهرية التي تحمي مؤسسات الدولة من التأثير الجائر للزعماء السياسيين، أو على الأقل التي تحاول التغلّب على مشكلة انعدام الإرادة السياسية لإجراء الإصلاحات. وفي هذا السياق، على المانحين اللجوء في نهاية الأمر إلى توظيف الأدوات الموجودة في تصرّفهم – كتقديم الدعم المشروط، وفرض العقوبات، وسحب التمويل، أو زيادته – للضغط باتجاه إجراء المزيد من الإصلاحات.
- هناك حاجة إلى تعزيز الشفافية وتسهيل الوصول إلى معلومات بشأن مساعدات المانحين المقدّمة إلى المؤسسات القضائية والأمنية اللبنانية. فقد أظهرت هذه الدراسة الحاجة إلى أن تكون المعلومات المتعلّقة بمساعدات المانحين متاحة بسهولة أكبر للجمهور. صحيح أنّ بعض المعلومات موجودة في إطار الملكية العامة، لكن كان من الصعب العثور عليها في بعض الأحيان. زد على أنّ بعض المعلومات المتاحة للجمهور لم تكن شاملة بطبيعتها، حيث لم يتم الإفصاح عن مجموع التمويل في الحالات كافة. فضلاً عن ذلك، لم يكن واضحاً دوماً كم من مخصصات آليات التمويل تُرجم فعلاً إلى مشاريع وأنشطة على الأرض. من هذا المنطلق، عند توفير معلومات شاملة وسهلة الوصول للجمهور، يمكن مساعدة منظمات المجتمع المدني وعامة المواطنين على فهم مسار دعم الجهات المانحة الدولية، وكيف يتجسّد على الأرض، وما هو التأثير الذي يخلّفه.
- من الحاجات التي تمّ تحديدها، ضرورة تحسين التنسيق بين المانحين حول قضايا إصلاح القطاع الأمني. من الانتقادات التي طالت مجتمع المانحين الدولي هو أنّ التنسيق بين المانحين أنفسهم، وبين المانحين والشركاء الوطنيين حول قضية إصلاح القطاع الأمني، لا يرتقي إلى المستوى المعياري المطلوب لوضع برامج وتحقيق نتائج أكثر فعالية. وبالرغم من أنّ التنسيق يمكن أن يحدث على مستوى رفيع جداً، بشكل لا يظهر جلياً لأصحاب المصلحة الوطنيين أو على مستوى المشاريع، لكن لم يكن من الواضح بالنسبة إلى الشركاء الوطنيين ما هو الأساس المنطقي الذي ترتكز عليه استراتيجيات المانحين، في ما يتعلّق بدعم حقوق الإنسان والحرّيات المدنية وصونها في مؤسسات العدالة الجنائية اللبنانية. من هنا، من شأن مساعدة الحكومة اللبنانية على وضع استراتيجية عامة لإصلاح قطاع الأمن أن يساعد في تحسين الجهود بشكل عام، ويخفّف من الازدواجية والتداخل، ويعزّز التماسك بين المانحين والشركاء حول هذه القضية. زد على ذلك أنّ هذه الاستراتيجية ستُضفي المزيد من الشفافية على جهود الإصلاح التي يبذلها المانحون والحكومة.