المحامي يوآف بينشوك لـ "المشهد الإسرائيلي": هذه
الظاهرة تشكل خطرا على حرية التعبير وعلى مشاركة المواطنين في أي نقاش عام!
كشف تقرير جديد لـ "جمعية حقوق المواطن" نشر
في أواخر شهر شباط 2013 النقاب عن ظاهرة استغلال الجهاز القضائي في إسرائيل لهدف
الردع وإسكات النقد. وأطلعنا التقرير في شكل موسع على الاستخدام المتزايد في
إسرائيل في السنوات الأخيرة لدعاوى التشهير أو التلويح والتهديد بها كردة فعل على
تصريح أو نشاط جماهيري يصدر في أغلب الأحيان من قبل مواطنين يعبرون عن احتجاج أو نقد.
ويشير التقرير إلى أنه أحيانا أيضا تكون النية في الدعوى
من قبل المشتكي ليست مواجهة ادعاءات كاذبة وانما فرض تأثير سلبي على مقدرة المشتكى
عليه أو على الجمهور الواسع للاشتراك في نقاش معين أو نقاش عام، وذلك بعد أن يشعر بالخوف
من أن تقدم في حقه دعوى تورطه في خوض نقاشات قضائية مطولة ومكلفة.
تقدم هذه الدعاوى بشكل عام، وفق التقرير، من قبل مؤسسات
ومنظمات تمتلك نفوذا ومقدرة اقتصادية قوية، تكون احتمالات نجاحها في الدعوى قليلة
وتستند الى حجة ضعيفة أو محدودة، وفي قسم من الحالات تكون الحجة مبالغا بها. كذلك
تكون التعويضات المالية المطالب بها في الدعوى مبالغا بها. وبالنسبة للمشتكي، لا
تكون حاجة لديه لأن يربح القضية، فأهداف هذه الدعاوى تتحقق بمجرد تقديمها، وفي
مرات عديدة تنجح في كتم وإسكات انتقاد يتضمن اهتماما عاما. وهذه الدعاوى تمس
المُنتقد عينيا، لكن يوجد لها تأثير واسع أكثر، ألا وهو كبح الخطاب الحر العام
وردع النقد، وخاصة لدى انتقاد الشخصيات والمؤسسات القوية، والتي تتوفر لها الإمكانية
لاستخدام الدعاوى القضائية.
يشير التقرير إلى أن استخدام رسائل التهديد في تقديم
الدعوى هو وسيلة رخيصة، بسيطة، مفيدة وخالية من المخاطر، ومثل هذه الرسائل منتشرة
أكثر من الدعاوى المقدمة في النهاية إلى المحاكم. هذه الرسائل لا تظهر في إحصائيات
الأحكام القضائية، والأغلبية الساحقة أيضا لا تصل إلى الرأي العام.
دعاوى كم الأفواه في إسرائيل تجري في عدة مواقع وظروف
نموذجية، ومن أبرزها كما يفيدنا التقرير، مجال علاقات العمل، حيث يستخدم المشغلون
هذه الدعاوى كأداة استراتيجية ضد العمال الذين يقاومون الاستغلال والتمييز أو
الذين يحاولون التوحد. كذلك فإن الناشطين والمنظمات البيئية أو منظمات التغيير
الاجتماعي، تكون معرضة أيضا إلى دعاوى وتهديدات في قضايا قدح وذم من قبل جهات
تجارية قوية وحتى جهات عامة، وتقدم أحيانا بعد تعليق لافتة على شرفة.
وخلق الانترنت مساحة جديدة للتعبير خاصة لدى"المواطن البسيط"، ولكنها أوصلت
إلى دعاوى وتهديد بتقديم دعاوى تشهير ضد كُتاب مقالات في ويكيبيديا، وضد أشخاص
أنشأوا مجموعات فيسبوك، وضد مدونين أو ضد من نشروا تعقيبات غاضبة على الخدمة
السيئة التي تلقوها من شركة تجارية.
ويقول التقرير إن الخطر الدائم الذي تترقبه وسائل
الإعلام من تقديم دعاوى التشهير ليس أمرا جديدا، لكن ضعفها الاقتصادي جعلها ترتدع
أيضا عن نشر معلومات لها مصلحة عامة وذلك خوفًا من تقديم دعاوى أو تهديدات ستكلفها
مبالغ هائلة.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك بموجب التقرير ما جرى بعد عرض
فيلم باسم "طريقة الشكشوكة" والتهديد بالمضي في دعوى تشهير من الإخوة
عوفر (من كبار أصحاب رؤوس الأموال) ضد الصحافي
السابق وعضو الكنيست الحالي ميكي روزنطال (العمل).
وهناك استخدام متكرر لدعاوى كم الأفواه في مجال السياسة
المحلية، والتي تؤدي انتقادات لمرشحين من قبل سكان محليين، وأعضاء بلدية وصحافيين،
إلى التسبب في مرات عديدة بتهديدات وحتى تقديم دعاوى تشهير.
حتى البحث الأكاديمي لم يسلم من هذه الدعاوى، ويورد
التقرير مثالا عن قضية خاضها علماء من معهد التخنيون تتعلق بنشرهم تقريرا تحذيريا بشأن
خزان الأمونيا التابع لشركة "حيفا كيميكاليم"،
وتلقى هؤلاء رسالة تهديد من
قبل الشركة.
ويورد التقرير مثالا آخر عن تقديم دعوى ضد عالم في
السموم بعد أن ادعى، في إطار رأي مهني قدمه، أن مصنع "كليل" للألومينيوم
يتسبب بمخاطر بيئية.
ويتأثر مجال الاستهلاك من استخدام دعاوى التشهير. وأحد
الأنماط المتبعة هو التوجه إلى الزبون المنتقد مع تهديد بدعوى تشهير، وفي المقابل
تجري محاولة لتعويضه والتوصل إلى اتفاق لإزالة الانتقاد، ويمكن أن يحظى الزبون بتعويض
لكن يتم إخفاء معلومات حساسة عن الجمهور.
ويوضح التقرير أنه على الرغم من انتهاء دعاوى كم الأفواه
من دون أي نتيجة ملموسة، فإن هذه الدعاوى تنجح في مس حرية التعبير، لأنها تشكل
ردعًا لدى العديد من المدعى عليهم بعد التعامل مع إدارة قضية طويلة.
ويدعي التقرير أن المحكمة تلعب دورا إلى جانب المدعين والمهددين،
لأن قلة من الحالات تنتهي بها دعاوى كم الأفواه برفض نهائي للقضية. وأغلبيتها
تنتهي في شكل اتفاقية تؤدي إلى إسكات المدعى عليه أو منتقدين آخرين للمدعي. وحتى
في الحالات التي ترفض فيها الدعوى، لا تتضمن الأحكام التي صدرت استحقاق تعويض للمدعى
عليه عن الضرر المادي الذي تكبده، ناهيك عن المضايقة.
تقديم "دعاوى تشهير" لكم أفواه ناشطين يهود ضد
الاستيطان في سلوان
يشير الناشط السياسي يونتان مزراحي، في مقابلة مع "المشهد
الإسرائيلي"، إلى أن الدعوى التي رفعت ضده وضد رفاقه من قبل جمعية "إلعاد"
الاستيطانية في سلوان وحسمت في شهر كانون الأول 2011 استهدفت إخافته هو ورفاقه وردعهم
عن الاستمرار في نشاطهم المناهض للاستيطان في البلدة، ولفت إلى وجود دعاوى لاحقة
قدمت ضد ناشطين يهود آخرين وضد جمعية يهودية تنشط في القدس ضد الاحتلال.
وعن الدعوى التي رفعت ضده قال: "نشطت مجموعتنا في
قرية سلوان العام 2007، وتضمن نشاطنا جولة أطلقنا عليها اسم جولة الآثار البديلة،
وفي نفس الوقت أقمنا موقع انترنت يوفر معلومات عن نشاطاتنا وفعالياتنا ونستعرض من خلاله
آراءنا وكل ما نؤمن به، ونشرنا في حينه عدة مقالات على الموقع أحدها تحدث عن
المواقع الأثرية في سلوان وآخر عن المستوطنين في سلوان ومقالات أخرى. وقدمت جمعية
إلعاد في نفس العام دعوى تشهير ضد كل ناشط من مؤسسي المجموعة وتستند إلى المقالات
المنشورة في الموقع عن المستوطنين، المجموعة ضمتني وضمت البروفسور رافي غرينبرغ، والناشط
غدعون سيلوماني، وناشطا فلسطينيا، والناشطة ليئات هازينفرات. واستمرت الدعوى في
المحكمة 4 أعوام. وادعت الجمعية أننا نكذب ونفتري ونبالغ في ادعاءاتنا ولا ندقق في
المعلومات، وأن ما نكتبه ونقوله يمس سمعتها الطيبة وهذا الأمر يسبب مسا بنشاطها
ويؤثر على التبرعات التي تتلقاها، ولذا طالبتنا بأن نعوضها بمبلغ مليون شيكل. وفرضت
المحكمة علينا دفع تعويض بقيمة 1000 شيكل ودفع مبلغ 5000 شيكل تكاليف المحكمة، ولم
نكن راضين عن القرار لكننا أنهكنا ولم نمتلك القوة والقدرة المادية لمتابعة القضية
وتقديم استئناف، وقلنا لأنفسنا هم طلبوا مليون شيكل لكن تلقوا 6000 شيكل".
ويضيف: "الهدف من تقديم القضية هو إخافتنا وتهديدنا
ومهاجمتنا، وأراه نوعا من العدوانية التي تتبعها مؤسسات ومنظمات تمتلك التمويل
والامكانيات وهي غير قادرة على التعامل مع النقد على المستوى العام وطريقتها
الوحيدة للتعامل مع النقد هي من خلال المحاكم والتهديد حتى يتم إسكات المنتقدين
وعدم الرد مباشرة على النقد. في نهاية الأمر حين توجه بحقك دعوى تشهير فإن ذلك يؤثر
على كيفية اتخاذك لخطواتك المستقبلية، وهذا الأمر جعلنا ننتبه إلى كل ما نصرح به
ونقوله، على الرغم من قناعتي التامة أن هذه الدعوى لا تستند إلى أي مخالفة قانونية
قمنا بها وأننا نستحق البراءة. ولو وُجدنا في ظروف أخرى وتوفرت لنا الامكانيات
اللازمة لكنا استمررنا في نضالنا في المحكمة حتى البراءة، لكن متابعة القضية تحتاج
الى الكثير من الوقت والمال، وقانون التشهير يستغل هنا ضد الإنسان البسيط الذي لا
تتوفر لديه الإمكانيات المادية الكافية".
الظاهرة في إسرائيل أوسع ومن الصعب تقدير حجمها
وقد أعد المحامي يوآف بينشوك، من "جمعية حقوق
المواطن"، التقرير بالاشتراك مع محامين آخرين.
وقمنا بإجراء هذا الحوار معه حول عدد من النقاط الهامة
ذات الصلة.
(*) سؤال: كيف بدأتم العمل على فكرة التقرير؟
بينشوك: وصلتنا في السنوات الأخيرة شكاوى متزايدة من
مواطنين قدمت ضدهم دعاوى، أو من مواطنين (وهم الأغلبية) أبلغونا أنهم تلقوا رسائل
تهديد مرتبطة بأمور كتبوها أو قالوها أو نشروها عن مواضيع لها أهمية جماهيرية،
وقام أصحاب العلاقة بتهديدهم بتقديم دعوى تشهير في حقهم. عالجنا قسما صغيرا من هذه
الشكاوى قضائيا، وجرى إبلاغنا أيضا من منظمات اجتماعية ومنظمات تهتم بموضوع حماية
البيئة عن حالات مماثلة حدثت معها وعن شكاوى وصلتها، هذا عدا عن متابعتنا لأحكام
في قضايا تشهير، ونتابع كذلك ما تنشره الصحافة في كل ما يتعلق في هذا الشأن، كل
هذا جعلنا نتيقن من أن الحديث هنا يدور على ظاهرة آخذة في الازدياد في السنوات
الأخيرة.
وبدأنا بالاهتمام في ما يحدث في العالم، ووجدنا أنها
ظاهرة معروفة عالميا على الأقل منذ 20 سنة، واكتشفت في الولايات المتحدة في بداية
التسعينيات ويطلق عليها هناك اسم Slapp- (Strategic Lawsuits Against Public Participation) وترجمتها الدلالية: إستراتيجية دعاوى
ضد مشاركة جماهيرية لمواطنين في النقاش العام. وبعد مناقشات وجدالات عديدة حولها
في الولايات المتحدة قامت قرابة نصف الولايات هناك بتشريع قوانين تمكن المدعى
عليهم في دعاوى التشهير من أن يواجهوها في ظروف أفضل.
(*) سؤال: هل يمكن اعتبار هذا التقرير هو الأول الذي خاض
في القضية بعمق؟
بينشوك: نشرت بعض التقارير الصحافية هنا وهناك التي
تطرقت إلى الموضوع في صورة محددة، وهناك بحث أكاديمي للمحامي يشاي شنيدور عن دعاوى
الإسكات، وهو شاركنا في إعداد هذا التقرير أيضا.
(*) سؤال: هل ترى أن حجم انتشار الظاهرة في إسرائيل خطير؟
بينشوك: المعطيات المتوفرة لدينا جزئية ويجب التطرق إليها
بحذر، خاصة أن هناك عددا قليلا من الأبحاث فقط فحص الأمر. الظاهرة في الواقع أوسع ومن
الصعب تقدير حجمها، لأن كل دعوى نعرفها نحن كمحامين تكون من خلال الأحكام القضائية
الصادرة، لكن هناك دعاوى كثيرة ينهيها المحامون بعد صياغة اتفاقية بين الطرفين
وبدون صدور أي حكم قضائي فيها، ففي حالات كثيرة يرغب المدعى عليه في أن يتم
التنازل عن القضية ويزيل القضية عن كاهله مقابل أن يعتذر وأن يتم إذلاله. أيضا
هناك عدد كبير من رسائل التهديد بتقديم دعوى لا تصل في النهاية إلى المحاكم، فبسهولة
يستطيع كل محام أن يصوغ رسالة تتضمن تهديدا مخيفا وليس شرطا أن تستند إلى خلفية
قانونية، وذلك حتى تجعل المدعى عليه يرتدع ويخاف، وبطبيعة الحال هناك الكثيرمن المدعى
عليهم ومن ضمنهم على سبيل المثال صحافيون ممن لا يعملون في وسائل إعلام قوية أو ناشطون
اجتماعيون يخوضون نضالا جماهيريا في موضوع ما، يواجهون صعوبات مادية تصعب عليهم
استئجار خدمات محامين ويلجأون في النهاية إلى عقد اتفاق. إن حجم الظاهرة يتسع
ويزداد ووفق تجربة التعامل معها عالميا يجب مقاومتها عن طريق ايجاد آليات قانونية
تمكن من إيقافها حتى لا تتسع أكثر، هذه الظاهرة تشكل خطرا على حرية التعبير، وعلى
مشاركة المواطنين في أي نقاش جماهيري يتعلق بموضوع له أهمية على النطاق العام.
(*) سؤال: كيف من الممكن إدراك أن دعوى تشهير ما هي قضية
كم أفواه؟ ما هي المركبات التي يجب تمييزها؟
بينشوك: يجب التشديد على أننا مقيدون جدا في فحص ما يدور
في خلد من يقدم دعوى التشهير، نحن لا نستطيع أن ننسب له النية في أن هدفه من
الدعوى هو كم الأفواه، ونحن ننظر في العادة إلى النتيجة وبموجبها نحكم على القضية.
قمنا في سياق التقرير بذكر كافة المركبات والمميزات المعروفة عالميا، ومنها أننا نقوم
بفحص الأهمية العامة للموضوع الذي يدور الحديث عنه، كذلك نقوم بفحص الإمكانية
للإسكات وكم الأفواه من خلال الدعوى ونفحص كذلك قوة الدعوى وفارق القوى بين
الطرفين المتنازعين. وبرأينا يجب على المحكمة فحص كافة هذه المركبات وعليها تمييز
نية الإسكات وكم الأفواه، ويجب عليها أن توجه المشتكين والمشتكى عليهم بأن يقوموا بإنهاء
الجدال الدائر بينهم من المكان الذي انطلق منه النقاش وليس في أروقة المحاكم.
(*) سؤال: ما هي الوسائل التي ستتبعها "جمعية حقوق
المواطن" لزيادة الوعي بوجود هذه الظاهرة وكيفية التعامل معها؟
بينشوك: حتى نتمكن من مواجهة الظاهرة يجب قبل أي شيء تمييزها
ومعرفتها والاعتراف بوجودها، وهذا ما بدأنا به من خلال التقرير، وسنستمر في
الإشارة إلى الظاهرة وإلى خطورتها في المجال العام والمجال القضائي، وخلال ذلك نتوجه
بأنفسنا للقضاء، أو نوجه ونشير إلى أن القضية المشار لها هي دعوى "كم أفواه".
أرغب في أن أشدد هنا على أننا لا نريد تغيير قانون التشهير من أساسه وأن نبطل
أهمية الحفاظ على السمعة الطيبة، ولا نريد إبطال الوسائل القضائية المتبعة لحماية
السمعة الطيبة، لكننا نرغب في إضافة مجموعة من الاعتبارات والآليات والوسائل القانونية
التي تمكننا من التعامل مع الدعاوى التي توجه بعيدا عن الهدف الأساس للقانون والتي
من الممكن أن تسبب إسكات النقاش العام. وثمة طريقة إضافية للتعامل مع القانون هي إحداث
تغيير عليه. وهناك مشروع قانون جديد قدمته عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش وانضم لها
أعضاء آخرون في الكنيست السابق من المفترض أن يقوم بخلق وسائل قضائية للتعامل مع
الدعاوى التي تهدف إلى كم الأفواه. وقام عضو الكنيست ميكي روزنطال بتقديم مشروع
القانون مجددا في الكنيست الحالي، ونأمل بأن يتحول إلى قانون، لكن قبل ذلك هناك
الكثير من الأمور التي يمكن القيام بها في عملنا اليومي داخل قاعات المحاكم من أجل
ذلك.