يجري اليوم تصوير المصابين بفيروس كوفيد-19 من المستشفيات، أو المنازل، أو أثناء نقلهم من قبل طاقم الإسعاف. لكنّ هذا الأمر يتطلّب إجراء تقييم شامل للمخاطر من قبل المؤسسات الإعلامية والصحافيين، وتدريب متخصص، فضلاً عن سلسلة من الإجراءات الاحتياطية الصارمة لتخفيف المخاطر وتقليصها حتى حدّها الأدنى.
تأكّد من أنّ الفريق الصحافي مؤهّل للمهمّة وراغب في القيام بها
بعد أن تكون قد برّرت المؤسسة الإعلامية ضرورة هذه المهمة بالنسبة إلى دورها المهني، سيترتّب عليها اختيار فريق العمل. وهي خطوةٌ لا تقل أهميةً عن تشكيل فريق في أي بيئة شديدة الخطورة.
من الضروري أن تكون المشاركة في هذا النوع من المهام طوعيةً بالكامل، كما ينبغي استبعاد مشاركة الأشخاص الأكثر عرضةً للخطر لأيّ سبب كان.
بطبيعة الحال، تزداد عملية اتّخاذ القرار صعوبةً نظراً إلى إمكانية نقل أعضاء الفريق العدوى إلى أفراد أسرهم.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يفكّر أعضاء الفريق في احتمال اضطرارهم إلى عزل أنفسهم، بعد انتهاء المهمة، في أماكن إقامة منفصلة لمدة أسبوعين، وأن يناقشوا ذلك مع أسرهم. في هذا الإطار، من شأن خضوعهم لفحص كوفيد-19 أن يحلّ هذه المسألة، على الأقل جزئياً.
في هذه الحالة تحديداً، من الضروري الاستعانة بفريق من الأشخاص العقلانيين والمهنيين والقادرين على الإحاطة بشكل كامل بالمخاطر التي تنطوي عليها العملية. كما يجب أن يكونوا دقيقين وحريصين للغاية في استخدام معدّات الوقاية الشخصية لضمان سلامتهم.
فضلاً عن ذلك، من المستحسن جداً أن يتصرّف طاقم العمل كفريق واحد متماسك، في جوّ من الثقة المتبادلة، لا سيما وأنه سيتوجب عليه العمل كوحدة أسرية. فمن منظورٍ واقعي، لن يتمكّن أعضاء الفريق فعلياً من الحفاظ على المسافة المطلوبة من بعضهم البعض.
ينطبق هذا الأمر بشكلٍ خاص في حالات السفر. فقد يعلق الفريق في بلد ما، ويضطر للبقاء فيه لفترة زمنية مطوّلة. وفي مثل تلك الحالات، لا تفتح الفنادق أبوابها، بل لا تشكّل الخيار الأكثر أماناً في المناطق الموبوءة، مما قد يدفع بالفريق إلى الإقامة في مسكن مشترك خاص.
معدّات الوقاية الشخصية والتدريب المتخصص
تتألّف معدات الوقاية الشخصية التي تستخدمها فرق الأخبار العاملة في البيئات الشديدة الخطورة، كالمستشفيات أو منازل المرضى، مما يلي:
يجب أيضاً تنظيم تدريب متخصص مع خبير في المعدات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، لمعرفة كيفية استخدام معدات الوقاية الشخصية كما ينبغي. فالامتناع عن ذلك يزيد من خطر تعرّض الفريق للإصابة.
يجب أن يغطي التدريب طريقة ارتداء معدات الوقاية الشخصية ونزعها، خطوةً بخطوة، لا سيما في ما يتعلق ببذلات "الأوفرول". فارتداء هذه المعدات قد يكون غير مريحٍ على الإطلاق، خاصّةً وأنّ البذلة وغطاء الرأس والنظارات الواقية تضاعف من الشعور بالحرارة والتعرّق، مما يؤدي بالأشخاص إلى القيام بأمور غير مستحبة عن غير قصد، كلمس وجوههم مثلاً. من هذا المنطلق، يُعتبر التدريب أساسياً كي يتنبّه الفريق إلى هذا الأمر ويعدّل طريقة تفكيره بما يتوافق مع ذلك.
لكنّ الجزء الأخطر من المهمّة يبقى نزع معدات الوقاية الشخصية. فالتقنية المطلوبة لنزع البذلة، الملوّثة ربما، دقيقة للغاية، ولا تحتمل إلا هامشاً بسيطاً جداً من الخطأ. ومما يزيد من دقة العملية أنّ الفريق سيكون منهكاً جسدياً ونفسياً بعد مشاهدته وتصويره لحالات مؤلمة. وبطبيعة الحال، يمكن أن يدفعهم الشعور بالإجهاد وعدم الصبر إلى ارتكاب أخطاء. لذا، من الموصى به بشدة الاستعانة باختصاصي طبي لمساعدة أعضاء الفريق أو مراقبتهم وهم ينزعون معداتهم ويتخلّصون منها بشكل آمن، لضمان أنهم يقومون بذلك على أكمل وجه.
ولما كان الوصول إلى المستشفيات أو خدمات الطوارئ يشترط التخطيط بشكل مسبق والتنسيق مع السلطات الصحية، فمن المنطقي طلب مثل هذه المساعدة مسبقاً.
التصوير
إذا كان الفريق الصحافي سيعمل مع فريق من المسعفين في حالات الطوارئ، عليه ألّا يتنقّل في سيارات الإسعاف، بل يتبعها على متن آليته الخاصة. ومن المحظور توصيل أي كان في سيارة الفريق الصحافي.
إذا كان يصوّر في الخارج ويستعين بدليل أو مرافق، فحريّ بهذا الأخير عدم الدخول إلى المستشفى مع الفريق إلا إذا كان مدرّباً على إجراءات مكافحة العدوى.
على الصحافيين تجهيز معدّات التصوير خارجاً، بحيث لا ينقلون معهم، إلى البيئة التي يُحتمل أن تكون ملوّثة، إلا أقل قدر ممكن من الأغراض. مع التشديد على أنّ كل قطعة من المعدّات التقنية ستحتاج إلى تنظيف دقيق وشامل.
عندما يصبح الصحافيون داخل المستشفى، من الضروري اتباع كافة إرشادات الطاقم الطبي والامتناع عن لمس أيّ شيء. عليهم تجنّب استخدام الميكروفونات اللاسلكية إلا إذا كان باستطاعة الشخص الذي تُجرى معه المقابلة أن يركّب الميكروفون بنفسه فوق ثيابه. ومن المستحسن إجراء المقابلات عبر استخدام ميكروفون بذراع طويلة، والأفضل ألا يكون مزوّداً بحاجب الريح المصنوع من الفرو، لصعوبة تنظيف قُطيرات اللعاب عنه في هذه الحالة.
على الصحافيين التذكّر أنهم لن يتمكّنوا من نزع بذلاتهم الواقية طيلة فترة تواجدهم داخل المستشفى. هذا ما يفسر مثلاً امتناع الكثير من الأطباء عن شرب الماء لعدة ساعات قبل بدء نوبتهم.
من المهم التصوير بحذر ومع مراعاة الأشخاص المتواجدين في المكان، والتنبّه إلى ضرورة عدم عرض وجوه المرضى أو الطاقم الطبي إلا إذا أعطوا إذناً بذلك. ففضلاً عن الأسباب الأخلاقية البديهية، إذا تصرّف الصحافي من دون مراعاة مشاعر الآخرين، قد يتصرّفون بدورهم معه بغضب أو حتى بعدائية في بيئة مليئة بالضغوطات.
كما يطلب توخّي الحذر الشديد عند لمس استمارات تسريح المرضى التي سبق أن لمسها موظفو المستشفى أو المرضى. فقد تكون الأوراق والأقلام ناقلةً للفيروس.
لدى مغادرة الطاقم الصحافي، عليه نزع كافة معدات الوقاية الشخصية قبل ركوب السيارة، مع ضرورة تعقيم الأحذية. كما يجب تعقيم المعدّات كافةً بشكل كامل؛ يشمل ذلك النظارات الواقية، والكاميرات، والميكروفونات، والهواتف، وكافة الأسطح داخل السيارة، بما في ذلك المقود.
ينبغي أيضاً عدم ارتداء البذلات الواقية والقناع والقفازين إلا مرةً واحدةً وفي موقع واحد، مع ضرورة التخلّص منها بشكلٍ مناسب. فإذا كان الفريق ينوي التوجه إلى مستشفى آخر أو إلى منزل شخص مصاب، يجب استخدام مجموعة جديدة من معدات الوقاية الشخصية.
من المتوقع أن تستمرّ هذا الوباء لعدة أشهر، يتمثّل خلالها الخطر بفيروس غير مرئيّ. لذا من الضروري مواصلة الالتزام بإجراءات التطهير طيلة هذه المدة، لا بل ينبغي ألا يمسي طاقم العمل أقل حذراً مع الوقت في اتّباعه احتياطات السلامة التي عادةً ما تكون مضنية وتستغرق وقتاً طويلاً.
تقول الفرق التي نقلت الأخبار من مستشفيات إيطاليا إنها استُقبلت بحفاوة من قبل عاملي الرعاية الصحية، وقد قدّر هؤلاء المخاطر الذي يخوضها بعض الصحافيين من أجل تغطية الأزمة من الخطوط الأمامية. وبحسب هذه الفرق نفسها، إنّ تخصيص وقت إضافي لشرح سبب تواجدها في المستشفى، وإعطاء الأولوية لصون كرامة المرضى، هي المقاربة الأفضل والأكثر أماناً عند القيام بمثل هذه التحقيقات الصعبة.
التأثير العاطفي
من الأكيد أنّ تغطية هذا الوباء عمل مضني للغاية، وأنّ المخاطر الجسدية والتأثير العاطفي المرتبطين به سينطويان على تحديات كبيرة. فسواء أتعلّق الأمر بالقلق المزمن وأعباء العمل المفرطة بالنسبة إلى الصحافيين العاملين في الميدان، أو الاضطراب والإحباط اللذين يشعرون بهما خلال مرحلة المونتاج التالية، لا بدّ من أن يولي الجميع أهميةً كبيرةً للمحافظة على صحتهم النفسية، كونها جزءاً لا يتجزأ من النظام الصحي للمجتمع.
بطبيعة الحال، إنّ التغلّب على الضغط والإجهاد صعب بما فيه الكفاية عند إرسال تقارير إخبارية سريعة من منطقة حرب أو منطقة ضربتها كارثة طبيعية. لكنّ العمل على تحقيقات حول فيروس كورونا قد لا يقل عن ذلك حدّةً وجهداً، ومن المتوقع أن يستمرّ لعدة أشهر.
في هذا السياق، جديرٌ بالذكر أنّ الأغلبية الساحقة من الصحافيين الذين يغطون أخبار هذه الجائحة لم ينقلوا أخباراً بمثل هذا التأثير المدمّر على أسرهم ومجتمعاتهم قبلاً قط.
وحتى المراسلين المتمرّسين في نقل أخبار النزاعات والعمل في بيئات عدائية حول العالم سيواجهون صعوبةً في إعداد تحقيقات عن المرض، والوفيات، والمعاناة في عقر دارهم.
من هنا، يجدر بالفرق المتخصصة بأمن الصحافيين وسلامتهم ضمن المؤسسات الإعلامية أن يجروا فحوصات منتظمة للاطمئنان إلى صحة طاقم العمل الجسدية، فضلاً عن إجراء عدد أكبر من الاتصالات الدورية، لتكوين صورة حقيقية عن مدى معاناة أيٍّ كان من اضطرابات تؤثر على الوضع النفسي.
على المسؤولين في الوسائل الإعلامية عدم الافتراض أنّ زملاءهم والعاملين في مؤسساتهم يلقون دعماً كافياً في منازلهم أو لدى ذويهم.
فمشاعر القلق العميق، والإجهاد بسبب أعباء العمل، والألم الناتج عن الانعزال، واستنزاف كل الجهود، والإنهاك، ما هي إلا غيض من فيض التحديات التي بدأ الكثيرون يختبرونها.
في ما يلي بعض الإرشادات والمبادئ الأساسية المقترحة: