بات الاهتمام بمسألة الأخبار المضلِّلة أحد أبرز سمات المرحلة. فبعد الكشف عن إمكانية التلاعب بنتائج انتخابات وبسياسات دول برمّتها جرّاء التأثير على آلية استقاء المواطنين لمعلوماتهم، وفضح الدور الذي تلعبه خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي في إبقاء المستخدمين ضمن حلقات مغلقة تؤكد مواقفهم الثابتة، بغية تحقيق أرباح مالية أكبر، يسعى مختلف الأطراف إلى مواجهة تفشّي التضليل الإعلامي. ففي الواقع، ثمة ظاهرة تدلّ على أن الذين يؤمنون بوجود روايات إعلامية مضلِّلة، ونظريات المؤامرة، والتقارير الإخبارية المزيّفة، هم الأكثر ميلاً إلى دعم السياسات والقادة غير الليبراليين والمستبدّين، إلى درجة الوصول إلى قمع الحرّيات الشخصية والعامة.
فهل يجب التركيز على مبادرات التحقّق من الأخبار؟ أم على التربية الإعلامية في المدارس؟ أم المفاوضة مع مواقع التواصل الاجتماعي لتطوير خوارزمياتها وتعديل نموذجها الاقتصادي؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلّب أولاً فهماً للعوامل الاجتماعية، والثقافية، والتربوية، والاقتصادية، والسياسية التي تجعل شخصاً ما أكثر قابلية للوقوع في فخ التضليل الإعلامي. وحدها هذه المعرفة تمكّن من اجتراح سبل معالجة مناسبة لواقع كل دولة، لا بل لواقع كل فئة مجتمعية. فما يتلاءم مع واقع مجتمع شديد الارتباط بوسائط الاتصال الحديثة في مجتمع منفتح، قد لا ينجح ضمن بيئة تواجه واقعاً اقتصادياً صعباً، خاضعة لسلطات قمعية.
لم يتمّ في لبنان الاهتمام بدراسة وجهات نظر المواطنين إزاء الروايات الإخبارية المضلِّلة. في المقابل يحتاج المدافعون عن حقوق الإنسان، ومناصرو حرية التعبير والجهات الحكومية، إدراكاً صحيحاً لدرجة تأثير الإعلام المضلّل على وجهات النظر إزاء حرية الرأي والتعبير، والتطورات السياسية والاقتصادية المحلّية والدولية بشكل عام. وتسمح هذه الفجوة لمختلف القوى المستبدة، المحلّية والإقليمية، ولأجهزة أمنية وجهات مسلحة غير شرعية بملء الفراغ المعرفي بالمزيد من الروايات الإعلامية المضلِّلة.
تسعى مؤسسة سمير قصير إلى دراسة تعامُل اللبنانيين مع الأخبار المزيّفة والتضليل الإعلامي، من خلال استطلاع للرأي يشمل عيّنة من 1000 مواطن لبناني نفذته "الدولية للمعلومات". وتهدف الدراسة بالتحديد، إلى فهم:
تمّ تقسيم العيّنة (1,000 مستطلع) إلى مجموعتين، "أ" و"ب"، حيث طُرحت على المشاركين في المجموعة "أ" سلسلة من الأسئلة حول 10 قصص إخبارية مزيّفة (ومعظمها لم يُنشر في الوسائل الإعلامية المذكورة)، و5 قصص واقعية، وما إذا كانوا سيشاركون مثل هذه المقالات الإخبارية، والأسباب التي تدفعهم أو تمنعهم من مشاركة هذه المقالات، ومن خلال أي منصّات تواصل اجتماعي. في حين يتمّ عرض هذه القصص نفسها على المشاركين في المجموعة "ب" ويتمّ سؤالهم أولاً عمّا إذا كانوا يعتقدون أن هذه القصص مزيّفة أم حقيقية، ثم يُسألون عن رغبتهم في مشاركة مثل هذه القصص، لماذا وكيف، على غرار أعضاء المجموعة "أ".
جرى الاستطلاع في الفترة الممتدّة بين 1 و14 تموز 2022، وشمل 1,000 شخص ما بين الـ18 و64 سنة من العمر، توزّعوا بطريقة تناسبية على الأقضية اللبنانية وِفقاً لعدد السكان (الوارد في النشرة الإحصائية لوزارة الصحة .العامة، عام 2020)