يمثّل رصد وتحليل التغطية الإعلامية للأحداث والتعدّدية الدينية في بلدان مثل العراق ولبنان والسودان، التي تعاني جميعها بدرجات مختلفة من عدم الاستقرار السياسي، تحدّياً كبيراً. وتُعتبر معظم المناسبات أو الأحداث الدينية فيها فرصة للسياسيين المتصارعين لتحويلها إلى نوافذ يعلنون من خلالها مواقفهم ويوصلون عبرها رسائلهم لتعزيز مكاسبهم أو لضرب مكاسب الآخرين. ويتمّ استخدام الإعلام في هذا المشهد إما بشكل مباشر وعلني، كما في العراق، أو بطريقة ذكية وغير مباشرة، كما في بعض الحالات اللبنانية، التي يبدو فيها الإعلام مستقلاًّ بعض الشيء عن التجاذبات السياسية، أو متقدّماً على المواقف الرسمية، حيث تتناول المنصة الإعلامية القصة الدينية بالطريقة التي تتوافق ومواقف التيار السياسي الذي تُمثّله قبل إعلان الأخير موقفه من الحدث، وهذا الموقف يبقى غالباً مغفّلاً في هذه الحالات. ولذلك، تلعب بعض وسائل الإعلام دور ساعي البريد، فتعلن بذلك موقف التيار السياسي الذي تُمثّله الوسيلة الإعلامية، أو تُموَّل من قِبله.
إذا كان ما سبق يحاول شرح جانب من الواقع السياسي والإعلامي في لبنان والعراق، فإنّ السودان يبدو بعيداً عن تعقيدات هذه التجربة، من حيث شكل الصراع السياسي وأدواته، والواقع الإعلامي ومقوّماته التي يمكن اعتبارها متواضعة قياساً بالتجربتين اللبنانية والعراقية. لكن بُعد السودان عن شكل التجربتين العراقية واللبنانية لا يعني انعدام الصراع السياسي واستخدام الدين وأحداثه كمنصّات لإعلان المواقف. يُقدّم السودان لنا تجربة صراع سياسي-إعلامي مختلفة، لا يزال الإعلام فيها يخضع بكثافة لمركزية السلطة حتى تلك المؤسسات الإعلامية المستقلّة. المركزية التي نتحدّث عنها قد يكون سببها المباشر هو حضور المؤسسة العسكرية في المشهد السوداني السياسي تاريخياً، وحتى بعد الحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس عمر البشير، ربيع عام 2019. الإطاحة جاءت بأيدي العسكريين، استجابة لحراك مدني متنوّع المشارب، إلا أن الصراع السياسي-الديني على السلطة بقي بين المحافظين والأقلّ محافظة، لا بين طوائف أو أديان مختلفة داخل الكيان السياسي الحاكم أو الأحزاب السياسية المتنافسة.
تهدف هذه الدراسة المسحية، الكمّية والتحليلية، إلى دراسة تعامل الإعلام المحلي مع القضايا الدينية في العراق ولبنان والسودان، وتفاعله معها، وذلك عن طريق متابعة تغطية أبرز المنصّات الإعلامية في هذه البلدان للأحداث المرتبطة بالتنوّع الديني فيها.
يقدّم هذا التقرير الخلاصات المستقاة من خمس دراسات سابقة، نشرتها مؤسسة سمير قصير، بالتعاون مع منظمة "إنترنيوز":
- التغطية الإعلامية اللبنانية لقضية الحكم على الأب منصور لبكي
- التغطية الإعلامية السودانية لحرائق التهمت منازل في ولاية كسلا
- التغطية الإعلامية العراقية لدعوة هدم المراقد والمزارات الدينية الشيعية
- إحياء ذكرى عاشوراء على مسرح "المدينة" في الإعلام اللبناني
- منْع طالبات كلّية "ود مدني" الطبية من ارتداء النقاب والعباءة في الإعلام السوداني
يندرج هذا التقرير في إطار برنامج تعزيز جودة المعلومات حول الحرّيات الدينية "إنكواير" (ENQUIRE – Enhancing Quality Information on Religious Freedoms) الذي تشرف عليه منظمة "إنترنيوز" (Internews)، وهو برنامج إقليمي يهدف إلى تعزيز ثقافة احترام التنوّع الديني في إعلام بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يركّز برنامج تعزيز جودة المعلومات حول الحرّيات الدينية "إنكواير" على بناء قدرات الصحافيين حتّى يتمكّنوا من إنتاج محتوى حول التنوع وحريّة المعتقد ونشره وفقاً لأعلى معايير الجودة والمهنية.