تقديم المشروع
تُصدر مؤسسة سمير قصير تقريرها الأول لرصد تعامل الأحزاب المشاركة في انتخابات 2022 النيابية مع المواضيع والمسائل المتعلّقة بحرية التعبير والأطر الديمقراطية. في هذا الإطار، تُشدّد المؤسسة على أنّ هذه الدراسة تهدف إلى تزويد المواطنين، على المدى القصير، بصورة أوضح عن السياسات ذات الأولوية بالنسبة إلى هذه الجهات المتنافسة. لكن المؤسسة تهدف أيضاً إلى المساهمة في النقاش العميق عن حرية التعبير وخطاب الديمقراطية في البلاد. فضلاً عن ذلك، من شأن إطلاق حوار حول السياسات والأفكار في خضمّ فترة الانتخابات والتنافس السياسي أن يلبّي الدعوة إلى اعتماد طريقة جديدة في ممارسة العمل السياسي؛ وهي دعوة أطلقها مئات الآلاف من المحتجّين والمتظاهرين خلال ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
من هذا المنطلق، تبدأ هذه الدراسة، في إطار سعيها إلى تعزيز ثقافة المساءلة والتحقيق النقدي، بوصف وجيز للبيئة الاجتماعية - السياسية والاقتصادية السائدة في البلاد. ثم تنتقل إلى طرْح طُرق جمع البيانات وتحليلها. بعد ذلك، تستفيض في عرض البيانات المرصودة، بالإضافة إلى مجموعات من البيانات التحليلية ونتائج البحث.
الخلفية والسياق
من بالغ الأهمية تقييم الظروف السياسية والاقتصادية الأوسع التي تُحيط بحرية التعبير والديمقراطية، وذلك بهدف فهْم السياق المتعلّق بالتحدّيات المحلّية في لبنان. اليوم، تحتلّ ثلاثة عناوين محور التركيز، هي: الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي لا تلقى تدابير علاجية على المدى القصير أو الطويل، والعنف وانعدام الأمن الناتج عن النزاعات بين قوى السلطة والمجموعات المسلّحة، والفرص والتهديدات الماثلة ما قبل انتخابات 2022 النيابية وما بعدها.
في هذا السياق من الاضطرابات والتحوّلات المجتمعية والسياسية الجذرية، تعرّضت عدّة مقومات خاصة بحرية التعبير للتهميش والإسقاط من النقاش العام (كمشكلة الرقابة على العمل الثقافي). ويبدو أنّ العواقب الخطيرة للغاية للأزمة الاقتصادية قد بدّلت من أولويات الأكثرية الساحقة من السكّان، حتى باتت مشقّات الحياة اليومية الناتجة عن نقص المواد، وانهيار العملة، والبطالة، تُهمين على الخطاب العام.
هذا من جهة. أما من جهة أخرى، فتحتلّ مواضيع الاغتيالات، والعنف الطائفي، وعرقلة العملية الديمقراطية، والقمع الحزبي السياسي المباشر، صدارة النقاشات الحقوقية، نظراً إلى طبيعة الحوار السياسي ضمن منظومة الحكم اللبنانية. ولعلّ أحد الأمثلة على النقطة الثالثة الواردة أعلاه هو القرار الأخير الذي أصدرته السلطات اللبنانية بتأجيل الانتخابات البلدية التي كان من المفترض أن تنعقد في ربيع 2022 أيضاً.
منهجية العمل
اعتمدنا، لغرض إنجاز هذه الدراسة، على ثلاثة مكوّنات أساسية عند تحديد المنهجية بشكل عام، هي: الالتزام باتّساق وترابط شبه منظّمَين في ما خص البيانات المرصردة، والاستعانة بعينة واسعة نسبياً من القوى السياسية، ومراعاة عامل التنوّع. بناءً عليه، تضمّنت العيّنة 28 ممثلاً عن الأحزاب، والحركات، والحملات و/أو المجموعات السياسية ممّن أعربت عن اهتمامها بالمشاركة في انتخابات 2022 النيابية المتوقّع إجراؤها في 15 أيار/مايو، هذا إذا لم يتمّ تأجيلها إلى أجَل غير مسمّى. ومع العلم أنّ أسماء المرشّحين ما زالت مؤقتةً، وستبقى كذلك، إلى أن يتمّ تشكيل اللوائح الانتخابية رسمياً في 5 نيسان/أبريل، تَعتبر هذه المنهجية أنّ التصريحات الصادرة عن الأحزاب/المجموعات السياسية و/أو قادتها تمثّل، في هذه المرحلة الأولية، التوجّه السياسي الذي سيتّخذه المرشّحون في مرحلة لاحقة.
تتراوح القوى السياسية المشاركة في هذه الدراسة بين أحزاب تقليدية وطائفية راسخة – المتمثّلة بدورها من خلال كتل نيابية – ومجموعات وحركات بديلة جديدة نسبياً ظهرت خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية. يمكن اختصار الفرق بين الحركات "الطائفية" و"غير الطائفية"، في نهاية الأمر، بعدّة عوامل، هي: استغلال الطائفية في الخطاب الحزبي، وتاريخ الحزب أثناء الصراع الطائفي في زمن الحرب الأهلية وما بعدها، والتركيبة الديموغرافية للحزب ودرجة تنوّعه. تُتيح لنا هذه المجموعة المتنوّعة تحديد مؤشرات غزيرة قوية وقابلة للمقارنة، لفهم كيف ومتى تتمّ معالجة مسألة حرية التعبير ومناقشتها في سياقات محدّدة.
في ما يلي قائمة بالأحزاب، والمجموعات، والحملات التي تمّ رصدها في هذا التقرير بالترتيب الألفبائي:
تمّ رصد المنصّات الإلكترونية الرسمية لهذه الأحزاب السياسية أو زعمائها يومياً، بهدف استخلاص أي تصريحات أو إعلانات متعلّقة بحرية التعبير، أو القمع، و/أو المسائل المرتبطة بحقوق الإنسان. وقد ركّز هذا التقرير الأول على أي محتوى أمكن إيجاده بين 14 شباط/فبراير و7 آذار/مارس 2022. بناءً عليه، نجحت مؤسسة سمير قصير في تحديد 27 تصريحاً متعلّقاً بالموضوع.
في معرض تحليلنا للبيانات، ركّزنا بشكل أساسي على العناوين التالية:
عرض البيانات
ندرك، أثناء جمْع البيانات، أنه لا يمكن اعتبار المعلومات المقدّمة شاملة بالكامل. لكن هذه البيانات تُتيح لنا، نسبياً، إطلاق فرضيات محتملة بشأن المفهوم الأوسع لحرية التعبير والهياكل الديمقراطية التي يتمّ تناولها في المناقشات السياسية العامة.
توزيع البيانات عبر مختلف الأحزاب والمجموعات السياسية
6 مواقف لحزب الكتائب؛ 4 لشبكة مدى؛ 3 لكل من حزب لنا، والقوات اللبنانية، ولحقي، وحزب تقدم، وموقفان اثنان للكتلة الوطنية، وموقف واحد لكل من بيروت تقاوم، والحزب الشيوعي اللبناني، وحركة مواطنون ومواطنات في دولة.
توزيع البيانات بحسب نوع التصريحات أو المنشورات
56٪ من المواقف تعلق على وضع راهن معيّن، و44٪ من المواقف تعرض موقف ثابت أو مناصرة لسياسة معينة.
توزيع البيانات بحسب موضوع التصريحات أو المنشورات
تتعلق 26٪ من المواقف بأهمية حرية التعبير، و22٪ من المواقف بكل من مسألة الاغتيالات السياسية والهياكل غير الديمقراطية، و19٪ بالتهديدات التي يتعرض لها المواطنون بسبب مواقفهم، و7٪ من المواقف بالقمع السياسي.
توزيع البيانات بحسب موضوع التصريح واسم المجموعة
الحزب السياسي/ موضوع التصريح |
الاغتيالات |
التهديدات |
الهياكل غير الديمقراطية |
القمع المباشر |
أهمية حرية التعبير |
غير ذلك |
الكتائب |
3 |
|
1 |
1 |
|
1 |
بيروت تُقاوِم |
|
|
|
|
1 |
|
لنا |
|
|
|
|
3 |
|
الحزب الشيوعي اللبناني |
|
|
1 |
|
|
|
القوات اللبنانية |
2 |
|
1 |
|
|
|
لحقّي |
|
1 |
|
|
2 |
|
مدى |
1 |
2 |
1 |
|
|
|
مواطنون ومواطنات في دولة |
|
|
|
|
1 |
|
الكتلة الوطنية |
|
1 |
1 |
|
|
|
تقدّم |
|
1 |
1 |
1 |
|
|
التحليل
في القسم السابق، صنّفنا بياناتنا بحسب الأسئلة التي كنّا نسعى إلى الإجابة عنها:
كملاحظة أولى، من الواضح جداً أنّ الحركات غير الطائفية هي الأكثر تناولاً ومناقشةً لمسألة حرية التعبير أو الديمقراطية، ومنها الكثير ممّا يُعتبر أحزاباً بديلة تأسّست أو ظهرت بعد عام 2011. حتى ضمن الحركات أو الأحزاب التقليدية التي شملتها عملية الرصد، وردت معظم التصريحات بشأن هذا الموضوع على لسان حزب الكتائب (66.66%) الذي يسعى أن يشكل استثناءً عن قاعدة الأحزاب القديمة على صعيد مواقفه وتموضعه. بعبارة أخرى، يمكن الافتراض أنّ القسم الأكبر من المنظومة القائمة ليس لديه شيء تقريباً يمكن أن يضيفه على موضوع الحريات بالذات.
مما يؤكّد ذلك أنه على الرغم من أنّ أكثرية التصريحات الصادرة هي، فعلياً، رهن بظرف معيّن، إلا أنّ قسماً كبيراً منها يتضمّن أيضاً سياسات ومبادئ، وتوجّهات عامة. فمن الملاحظ أنّ هذا النوع من التصريحات أكثر شيوعاً بكثير بين الأحزاب البديلة التي تسعى إلى توضيح توجّهاتها الأيديولوجية، كونها حديثة العهد نسبياً، وتشعر بالتالي بحاجةٍ إلى إثبات جدّيتها وإنجازاتها الملموسة. ومن الفئات الأخرى التي تمّ تحليلها في البيانات، التصريحات المتعلّقة بالاغتيالات، والهياكل غير الديمقراطية، والتهديدات، والقمع المباشر.
بناءً عليه، من الاتجاهات المقارنة الجديرة بالذكر بين الأحزاب الطائفية التقليدية والحركات البديلة، الخطاب القائم الذي يتمّ من خلاله التعامل مع الاغتيالات، خاصةً تلك التي يتّهم حزب الله بالضلوع فيها. ففي حين تميل الأحزاب التقليدية إلى إحياء خطاب أكثر انقساماً يقوم على التمييز بين الـ"نحن" والـ"هم"، واعتماد موقف أكثر تركيزاً على هذا الموضوع، تعتمد الحركات البديلة بشكل عام على فكرة "مكافحة الاغتيالات" كجزء من أفكار أوسع وأكثر شمولية تتعلّق بنظرتها إلى النظام القائم وأدواته القمعية ككل. نتيجةً لذلك، تميل الأحزاب ذات الأكثرية المسيحية التي شكّلت جزءاً ممّا كان يُعرف بتحالف 14 آذار إلى التعليق على الاغتيالات السابقة بصورة مكثّفة. أما الأحزاب والحركات البديلة، فأكثر تركيزاً على كافة الجوانب الأخرى للتحوّل الديمقراطي وحرية التعبير بالمقارنة مع الأحزاب الطائفية الراسخة، خاصةً على صعيد مشاركتها في المنافسة الانتخابية والاحتجاجات في مناطق مختلفة.
يصدر هذا التقرير بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية.