في المجال الإعلامي السائد حالياً في لبنان، تبدأ رحلة الصحافيّات بمجموعة من المتطلّبات المتحيّزة ضدّ المرأة وغالباً ما تنتهي بخسائر فادحة. ومن هذه المتطلّبات ضرورة الامتثال لمعايير محدّدة مرتبطة بالشكل الخارجي، بما في ذلك ما هو متعارَف عليه من معايير متعلّقة بالجاذبية والرشاقة والشَّعر المصفّف الناعم. ومع ذلك، فإن التكلفة الحقيقية التي تدفعها المرأة مقابل ممارسة مهنة الصحافة تتعدّى مجرّد المظهر، لتشمل القبول بظاهرة التحرّش الجنسي على يد مسؤولي التوظيف والمدراء والزملاء واعتبارها جزءاً طبيعياً من العمل داخل المؤسسات الإعلامية. ومن شأن ذلك أن يُخلّف آثاراً نفسية لدى الكثير من النساء في مجال الصحافة اللبنانية ويُعرقِل تقدّمهنّ المهني.
يهدف هذا البحث إلى التعمّق في التحدّيات المهنية والشخصية التي تُواجهها الصحافيّات في لبنان، مسلّطاً الضوء على حقوق العمل الخاصة بهنّ، مثل الرواتب والترقيات والإجازات، فضلاً عن المضايقات المختلفة التي يُواجهنها في هذا المجال.
بهدف تصوير الوضع الراهن للصحافيّات في لبنان بشكل عادل، أجرى فريق مؤسسة سمير قصير، في كانون الثاني/يناير 2024، سلسلةً من 70 مقابلة مع صحافيّات يعملن في لبنان و/أو يُغطّين أخباره. دامت كل مقابلة 40 دقيقة تقريباً وارتكزت على استبيان موحّد (راجع الملحق). وللحفاظ على المعايير الأخلاقية ومبدأ "عدم الإضرار"، أُخفيَت هويّات المشارِكات اللواتي أُجريَت معهنّ المقابلات. بالإضافة إلى ذلك، اتُّخذَت الاحتياطات اللازمة أثناء إجراء التحليل المقارن لضمان السرّية والحؤول دون الكشف عن هويّات المشارِكات.
يكشف وضع الصحافيّات في لبنان عن مشهد معقّد يتّسم بالعديد من التحدّيات وأوجُه القصور داخل المؤسسات. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمعالجة مسائل مثل التحرّش الجنسي والمعاملة غير المتساوية، لا يزال هناك نقص واسع النطاق في آليات المساءلة والدعم. كما تُواجِه صحافيّات عقبات مثل قدرتهنّ المحدودة على نيْل إجازة مدفوعة الأجر، ومخاوف بشأن السرّية والأمان، والافتقار إلى سُبل انتصاف فعّالة لمعالجة التحرّش وإساءة استخدام السلطة. وعلى الرغم من الاعتراف، نوعاً ما، بالحاجة إلى تحسين ظروف الصحافيّات، فإن التقدّم الملموس يصطدم بقضايا منهجية وديناميات السلطة الراسخة. من هنا، تدعو الحاجة إلى بذل جهود متضافرة للمضيّ قدماً، من خلال سَنّ إصلاحات قابلة للتطبيق وتعزيز المساواة بين الجنسَين وإيجاد بيئة أكثر أماناً ودعماً للصحافيّات في لبنان.