الرجاء إدخال البريد الالكتروني للحصول على رمز تأكيد التنزيل.
أدخل رمز التأكيد
يرجى ملء الحقول أدناه، ومشاركتنا رابط المقال و/أو تحميله:
يرجى إستعمال الملف ك pdf, doc, docx
مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية - سكايز - مؤسسة سمير قصير

واقع الحرّيات: تحليل الخطاب الرقمي المتعلّق بحرّية التعبير في لبنان

المصدر خاص سكايز
السبت , ١١ تشرين الثاني ٢٠٢٣
Design: Marc Rechdane

في عصر يتمّ فيه الاحتفاء بالتبادل الحرّ للأفكار وأشكال التعبير الثقافي باعتبارها ركناً أساسياً من أركان المجتمعات الديمقراطية، تُشير التطوّرات الأخيرة في لبنان إلى انحرافٍ مُقلِق عن هذه المُثُل التي كان لبنان يعتزّ بها يوماً. من هنا، يتطرّق هذا التقرير إلى سلسلة من الأحداث التي أثارت نقاشات حول حرّية التعبير والرقابة وحماية الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في السياق اللبناني. في الواقع، لا تؤكّد الأحداث الواردة في هذا التقرير درجة تعقيد هذه القضايا فحسب، بل تُبرز أيضاً أهميتها الحاسمة في دولة تُبحر في مياه سياسية واجتماعية مضطربة.

ولبنان، الذي اشتهر يوماً بمشهده الإعلامي النابض بالحياة وانفتاحه على وجهات النظر المتنوّعة، يواجه اليوم صعوبةً بسبب تضييق الخناق على حرّية التعبير. لذا، في خضمّ التوترات الطائفية والمناخ القمعي المتزايد للأقلّيات والفئات المهمّشة، يكشف تحليلنا لخمس حالات مختلفة، التحدّيات المتعدّدة الأوجه الناجمة عن الرقابة والقيود على حرّية التعبير.

يُقدّم هذا التقرير النهائي فحصاً شاملاً لخمس دراسات حالة رئيسية، مُسلّطاً الضوء على آثارها على حرّية التعبير والإعلام والفنون وحقوق الإنسان في لبنان. فيُشكّل شهادةً على التحدّيات النامية التي يواجهها المدافعون عن هذه الحقوق الأساسية في مشهد سريع التغيّر. ويؤكد التقرير على ضرورة البقاء يقظين جداً في الدفاع عن هذه الحرّيات في مشهد ثقافي وإعلامي يعاني من قيود متزايدة في لبنان وخارجه.

ومع أنّ هذا التقرير سيذكُر فقط عيّنة من الحالات الجديرة بالملاحظة بحسب الحاجة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ كل حالة من الحالات الخمس الواردة أدناه قد نوقشت بشكل منفصل في تقريرها الخاص:

  1. تُركّز القضية الأولى على حظر فيلمَي "لايت يير" و"مينيونز: صعود غرو"، لتضمّنهما مشاهد عن مجتمع الميم-عين وبسبب ما اعتُبر مساساً بالحساسيات الدينية.
  2. وتتعلّق القضية الثانية بالمشهد الساخر الذي قدّمته مقدِّمة قناة الجديد، الإعلامية داليا أحمد، والممثّلة جوانا كركي، ممّا أدى إلى ضجّة وهجمات عنيفة على القناة.
  3. وترتبط القضية الثالثة باستدعاء مدير منصّة ميغافون جان قصير من قِبل أمن الدولة على خلفية نشر مقالة انتقادية.
  4. وتتناول القضية الرابعة استدعاء مجلس نقابة المحامين في بيروت المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان نزار صاغية، ردّاً على انتقاده تعديل ميثاق شرف نقابة المحامين في بيروت.
  5. أما القضية الخامسة، فتُركّز على الصحافية ديما صادق التي واجهت دعوى قانونية وحكماً بالسجن ردّاً على تغريدة نشرتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

أجرت مؤسسة سمير قصير تحليلاً مفصّلاً لردود الأفعال على وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان في ما يتعلّق بدراسات الحالة الخمس المذكورة أعلاه. وكان الهدف الأساسي من ذلك تقييم المشاعر السائدة لدى الجمهور اللبناني في ما يتعلّق بالمناقشات الرئيسية حول حرّية التعبير. ولضمان أقصى قدر من الدقّة والكفاءة في عملية الرصد هذه، تعاونت مؤسسة سمير قصير مع شركة "ريبيوتل" (Reputell)، المتخصصة بخدمة البيانات، والتي تمتلك إمكانية الوصول إلى مجموعات بيانات واسعة النطاق، فضلاً عن البرمجيات اللازمة لتحديد المحتوى ذي الصلة وفرزه. فتمكّن هذه المنهجية مؤسسة سمير قصير من التأكّد بشكل أفضل ممّا إذا كانت النقاشات المتعلّقة بدراسات الحالة قد انعكست في الفضاء الإلكتروني أم لا، وإن فعلت، فبأي طريقة. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الدراسة لا تهدف إلى تقديم رؤية شاملة للنقاش الرقمي، بل تسعى إلى تسليط الضوء على الجهات الفاعلة البارزة، والمنصّات المستخدمة، والأنماط القابلة للتمييز التي تعكس أحداث الحياة الواقعية.

يظهر، من خلال فحصنا للخطاب الإلكتروني في لبنان، أنّ هناك مشهداً معقّداً من الآراء والمواقف تجاه حرّية التعبير. ولعلّ إحدى الملاحظات اللافتة للنظر هي التفاوت الواضح بين الجنسين في التعبير على الإنترنت، حيث يبدو الرجال أكثر تحمّساً وارتياحاً لمشاركة آرائهم. فيطرح هذا التناقض أسئلةً مهمّةً حول الامتيازات الجندرية وتأثير خصائص الذكورية السامّة في الفضاءات الرقمية.

ومع ذلك، يظهر اتّجاه متناقض عندما نقوم بتحليل المشاعر العامة التي تظهر على الإنترنت. ففي كل تقرير وحالة تقريباً، لا ننفكّ نلاحظ نسبةً أعلى بكثير من الحسابات الإيجابية بالمقارنة مع السلبية منها.


ومن بالغ الأهمية أيضاً الاعتراف بأنّ تصاعد الخطاب المناهض لحرّية التعبير ينبع في المقام الأول من تقريرَين، تتمثّل فيهما غالبية الحسابات السلبية. فتُشير هذه النتائج إلى وجود علاقة بين هذا الخطاب ومشاركة الحسابات المؤيّدة لحزب الله والتيار الوطني الحرّ في النقاشات عبر الإنترنت.


وفي إطار سعينا إلى تقييم النظرة إلى حرّية التعبير في الفضاء الرقمي اللبناني، استخلصنا من دراسات الحالة التي حللناها أفكاراً قيّمة حول الأنشطة وردود الأفعال الإلكترونية لأحزاب سياسية معيّنة على المواضيع التي تهمّها. من هنا، تكشف هذه الدراسة، لدى تحليلها مع التقارير الفردية التي سبقتها، عن وجود صلة بين المواقف المضرّة بحرّية التعبير من جهة ونطاق وكثافة الاستجابات الإلكترونية للمواضيع التي تُعتبر حسّاسةً من جهة أخرى.


وعلى الرغم من أنّ البيانات قد ترسم صورةً قاتمة في بعض الأحيان، من الضروري عدم الاستسلام لليأس. فتكشف الأرقام عن موجة مستمرة ومتزايدة باطّراد من المواقف المقاومة للقوى التي تسعى إلى تقويض حرّية التعبير. لكنّ هذه المسيرة نحو مجتمع أكثر انفتاحاً وديمقراطيةً محفوفة بالتحدّيات من دون شك. من هنا، يجب أن تتطوّر هذه الموجة حتى تُشكّل مجتمعاً أكثر قوةً، وأقدر على الاستمرارية، من المدافعين المصمّمين على دعم مبادئ حرّية التعبير وحقوق الإنسان في المجال الرقمي وخارجه.

مشاركة الخبر