الملخّص التنفيذي
المنهجية
رصدت دراسة "كورونا في إعلام النظام السوري" 4628 مادة صحفية نشرتها كل من وكالة الأنباء الحكومية السورية "سانا" وصحيفة حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم "البعث"، وصحيفتي "الثورة" الحكومية، و"الوطن" الخاصة المقربة من النظام، وقناة "الإخبارية السورية" الحكومية الرسمية على موقع "يوتيوب" (YouTube). وقد نشرت هذه المواد بين 22 آذار/مارس 2020وحتى 22 نيسان/أبريل 2020.
شمل الرصد كل المواد المنشورة في أبواب هذه المؤسسات عبر مواقعها الإلكترونية وقنواتها الرسمية، لتحديد تلك التي تناولت جائحة كوفيد-19. تم اختيار المواد بحسب التسلسل الزمني للرصد، دون استثناء أي منها، وبحث الرصد عن مرجعية ومصادر تلك المواد ونوعها. كما دقق البحث في نوع المادة الصحفية وإطار تناول تلك المواد لموضوع انتشار فيروس كورونا على الساحة الداخلية السورية. وتوقف البحث عند بعض التعبيرات الأكثر استخداماً في المواد الإعلامية المرصودة، كمحاولة لفهم منهجية الإعلام الرسمي المعتمدة للتعامل مع انتشار الفيروس محلياً.
التغطية الإعلامية بالأرقام
٪62 من محتواه لا يتعلّق بالفيروس و41٪ من المرتبط به بلا مصادر
رصدت دراسة الإعلام السوري المحلّي وفيروس كورونا الفترة الزمنية الممتدة بين 22 آذار/مارس 2020 ولمدة شهر حتى 22نيسان/أبريل 2020، وشمل الرصد 4628 مادة صحفية موزّعة على خمس وسائل إعلام سوريّة محلّية، بينها 1220 مادة من وكالة الأنباء السورية الحكومية "سانا" (بنسبة 26.4٪)، و906 مواد من صحيفة "البعث" التابعة لحزب البعث العربي الاشتراكي (بنسبة 19.6٪)، و1246 مادة من صحيفة "الثورة" الحكومية (بنسبة 26.9٪)، و1010 مواد من صحيفة "الوطن" الخاصة المقرّبة من النظام (بنسبة 21.8٪)، و246 مادة من قناة الإخبارية السورية الرسمية (بنسبة 5.3٪)، وهي المواد المنشورة عبر قناة "يوتيوب" (YouTube) الرسمية للقناة، وتشمل النشرات الإخبارية المحلّية والرئيسية والبرامج والتغطيات الخاصة. كل النشرات الأخرى تُعيد ذات الأخبار المنشورة في الرئيسية والمحلّية أو أجزاء من التغطيات الخاصة.
المواد المرصودة ضمّت بحسب النوع الصحفي، 2318 خبراً (بنسبة 50.15٪)، و1702 تقرير أو تغطية (بنسبة 36.8٪، و169مقابلة (بنسبة 3.7٪)، و438 مقال رأي (بنسبة 9.5٪). ولم تنشر هذه الوسائل إلا تحقيقاً استقصائياً يتيماً، طوال فترة الرصد.
فاق عدد المواد الصحفية غير المتعلّقة بفيروس كورونا في سوريا تلك المتعلّقة بأخبار الفيروس رغم أن البلاد شملتها مجموعة قرارات متعلّقة بانتشار الوباء مثل حظْر تجوّل كلّي وجزئي وسلسلة من القرارات الحكومية كإغلاق الحدود والمعابر وتسيير الدوريات الشرطية لمراقبة منع التجوال، إضافة إلى قرارات فتح مراكز حجْر للمصابين في كل المحافظات، رغم تحفّظ الحكومة على الأعداد وحصْر مصدرها فقط بتقرير تبثّه وزارة الصحة بشكل يومي. فقد نشرت هذه المؤسسات الإعلامية 1737 مادة صحفية متعلّقة بفيروس كورونا في سوريا، أي بنسبة 37.5٪ من مجمل المضمون، في حين نشرت 2891 مادة صحفية غير متعلّقة بالفيروس (بنسبة 62.5٪).
وبالتمعن في المواد المتعلّقة بانتشار فيروس كورونا والبالغ عددها 1737 مادة صحفية، يظهر أن 41٪ من هذه المواد لم تعتمد على أي مصدر في نقلها للخبر أو المعلومات، في حين بلغت نسبة المواد المعتمدة على مصدر واحد فقط ما نسبته 40٪. أما تلك المصادر فهي بمعظمها حكومية بنسبة وصلت إلى (61٪)، حتى المصادر الطبية والأكاديمية والخبراء في مجالات غير طبية والموزعة على باقي تعداد المصادر، فهم من مؤسسات حكومية أو شبه حكومية كالنقابات والاتحادات العمالية أو أعضاء في الحزب الحاكم، أو في حالة الاستقلالية فهم محللون سياسيون مقرّبون من النظام ورؤيته الخاصة بالواقع الحياتي والسياسي في سوريا.
يزداد الوضع سوءاً بالانتقال إلى اعتماد تلك المواد على المراجع.
كشفت الدراسة أن أكثر من 1319 مادة صحفية من أصل 1737 مادة متعلّقة بفيروس كورونا، لم تعتمد على مراجع مسجّلة، ونسبتها 76.1٪. أما تلك التي اعتمدت على مرجع واحد فقد بلغت نسبتها 23.4٪، وغالبية تلك المراجع هي المؤسسات الحكومية بنسبة 68.4٪ ووكالة الأنباء الرسمية "سانا" حازت نسبة 19.1٪ تحت عنوان وسائل إعلام حكومية. وفي هذا المقام يمكن الإشارة إلى التشابه الكبير بين مواد الوكالة الحكومية والمواد المنشورة في صحف "الوطن" و"البعث" و"الثورة" من حيث المرجع والتحرير والتوجّه. لا يمكن تمييز اللغة التحريرية أو آليات تناول الأخبار المحلية منها أو الدولية بين وسيلة إعلام وأخرى، فالتشابه بينها يصل حد تشابه العناوين والبدايات والخلاصات وفي بعض الحالات تشابه حتى في مقالات الرأي والافتتاحيات.
أرقام المسح تؤكد الدور الوظيفي لإعلام دمشق الملتزم بتنفيذ توجيهات النظام السوري عموماً، وتعليماته فيما يخص ملف فيروس كورونا خصوصاً. التزام وصل حدّ حجب كلمة مسؤول منظمة الصحة العالمية على شاشة الإخبارية السورية، حيث غطّى التقرير على كلماته ونقل عنه جملتين مفادهما أن سوريا بمرحلة انتشار تصاعدي للفيروس وأنها وجهة سياحة دينية، لذا من الجيّد أنها أغلقت الحدود. إلا أنّ كلمات المتحدّث، الناطق باللغة العربية أصلاً، غابت وراء كلمات الصحافي قارئ التقرير، ما منع إمكانية التأكد من دقة ما نقلته القناة.
في المضمون: تماهٍ كامل مع الموقف الرسمي
عشرات المقالات نُشرت في وسائل الإعلام السورية تحت عناوين مختلفة تعالج انتشار فيروس كورونا في سوريا. إلّا أنّ محرّر المادة قرّر، في غالب الأحيان، عدم التعرّض لهذا الفيروس بالاسم. احتال على التسمية بتعبيرات "الوضع الراهن"، "الظرف الطارئ" وغيرها من التعابير التي تحتمل التأويل. وإن دلّ هذا الفعل التحريري على أمر، فعلى حالة فزع من تناول موضوع فيروس كورونا على المستوى المحلّي من خلال فكر نقدي أو تحليلي للإجراءات الوقائية وللأرقام الرسمية.
اقتصرت الأخبار المحلّية بعمومها على تغطية قرارات الحكومة وتنفيذها، فعشرات الساعات من التقارير الإخبارية المرئية على شاشة الإخبارية السورية، ومثلها مكتوبة في وكالة "سانا" وعلى صفحات صحف "الوطن" و"البعث" و"الثورة"، تسرد تنفيذ حظر التجوال وعمليات التعقيم التي أوصت بها الحكومة، ليشكّل بيان وزارة الصحة عن الأعداد بين مصابين ومتعافين أو متوفّين مجرّد خبر يتيم ضمن سياق النشرة، أو باب للدخول بتغطية طويلة وموسّعة تشمل عمليات توزيع الخبز في القرى أو الأرياف، وتغطيات أخرى عن تنفيذ الشرطة لدوريات مراقبة حظر التجول والتزام المواطنين الطوعي بقرارات الحكومة.
في حال كان الصحافي العامل في وسائل إعلام النظام مُلزماً بالخوض في ملف كورونا على المستوى المحلّي، ينحصر قوله وتحبس كلماته في عبارات من مقام: "لا يمكن لأحد أن يُنكر الجهود الحكومية للتصدّي ومنع انتشار وباء كورونا"، مادحاً جهود الحكومة لمواجهة الجائحة عبر غسل الطرقات وتعقيم المدارس والمقارّ الحزبية وأبنية الحكومة، ومستعرضاً "الاجتماعات اليومية للفريق الحكومي المكلّف باتخاذ القرارات والإجراءات الوقائية والاحترازية لحماية المواطنين ومنع الازدحام والاختلاط، والتي ركّزت على وضع استراتيجية لمواجهة الجائحة وتأكيد تأمين الاحتياجات الأساسية والغذائية للمواطنين". وإذا ما اضطرّ إلى الخوض بشكل أعمق على مستوى الشأن الداخلي، وصف حالة تأمين الخبز والمواد الأساسية للمواطنين عبر منافذ بيع المؤسسة العامة للتجارة، معظّماً "قرار الفريق الحكومي تسيير سيارات محمّلة بالخضار والفواكه من أسواق الهال في المحافظات إلى الأرياف ومراكز المدن، لتأمين متطلّبات المواطنين وتوفير المحروقات اللازمة لضمان عمل هذه الآليات، إضافة إلى منح الأفران والمطاحن الخاصة والمستوردين تسهيلات لاستيراد القمح والطحين اللازمين لعملها بالطاقة الإنتاجية القصوى بغضّ النظر عن المنشأ، على أن يتمّ إلغاء الترخيص الأفران الخاصة التي تتوقف عن الإنتاج خلال هذه المرحلة".
لم يرد في المواد الصحفية أي تقييم للإدارة الرسمية لملف فيروس كورونا، لكنّا استفاضت في عشرات التحاليل الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مؤنّبةً تقصير "الدول الإمبريالية" و"الرأسمالية المتوحشة"، رافعةً من قيمة الفعل الصيني في مواجهة الفيروس، ومقدّمةً النموذج الروسي على كل الإجراءات والمساعدات الإنسانية عالمياً. وصبّ كتّاب المقالات غضبهم العارم على "عاصمة الشرّ" العالمي، واشنطن، مستعرضين بعض هوامش اللاإنسانية فيها، على غرار: "كورونا الذي يَجتاح، مع مُواصلة واشنطن سياسة العقوبات الجائرة والحصار الظالم، مع امتناعها عن تقديم المساعدات حتى لحلفائها وأدواتها، مع سعيها بأنانية حقيرة مَقيتة لاحتكار لقاح يُحتَمَل إنتاجه، مع التسييس القَذر للحركة العلمية العالمية باتجاه التصدي للفيروس الوباء، إنما يجعل أميركا تتعرّى، فتكشف مرة واحدة عن كل أوجه القُبح المكنونة فيها، المكنوزة بنظامها السياسي، وبمجتمعها المنافق الذي يُنتج هذا النظام، بل قد يكون ذلك كافياً ليُقال: الوباء صناعة أميركية حصرية، بل: أميركا هي الوباء!". هذه اللغة الجوفاء التي تستخدمها صحافة النظام منذ وصول البعث إلى سدّة الحكم، بقيت مفتاحاً لمن يريد النشر والترفّع في طبقات العمل الصحفي السياسي السوري.
محاولات المؤسسات الإعلامية المحلّية الخاصة والعامة الخروج عن القالب المستهلك سالف الذكر فشلت، حيث تجبرها السياسات التحريرية على استخدام ملف كوفيد-19 المهم بالنسبة إلى الجمهور للدخول في ذات الباب المسيّس المهاجم لمن يديرون "المؤامرة الكونية" على سوريا دولة وشعباً. نموذج هذه المحاولات برز مع قناة الإخبارية السورية الرسمية، حيث أجرت على سبيل المثال لا الحصر، لقاء تفصيلياً مع مسؤول الطب العام في وزارة الصحة عاطف الطويل، إلّا أن اللقاء وبعد مقدّمة نارية عن إجراءات الوزارة في الحجر والبروتوكول العلاجي، دخل باب السياسة ومسألة حصار سوريا من قِبل "القوى المعادية للشعب السوري".
هذه النبرة الإعلامية ليست إلا صدى لحملات أهلية أطلقتها بعض المنظمات المحلّية، مردّدة عبارات من مقام: "لاقت الحملة التي أطلقتها جمعية مكتبة الأطفال العمومية في اللاذقية بعنوان “من أطفال سورية إلى العالم.. أوقفوا فيروس كورونا.. أوقفوا العقوبات” أصداء إيجابية ومشاركة واسعة وحصدت فيديوهات الأطفال المشاركين عدداً كبيراً من المشاهدات". وفي حالات مشابهة لجأ الإعلام إلى استنطاق تصريحات سياسية متعلقة بفيروس كورونا من رجال الدين أو الشخصيات العامة، على سبيل المثال لا الحصر: "ضمّ الأب الياس زحلاوي صوته إلى حراك المجتمع الأهلي من منظمات غير حكومية وجمعيات أهلية وشخصيات سورية في حملة “ارفعوا الحصار عن سورية” المطالِبة برفع الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري ولا سيّما المتعلّق منها بالجانب الصحّي في ظل انتشار وباء كورونا في العالم".