اتُّهمت صحيفة "نداء الوطن"، ورئيس تحريرها بشارة شربل، ومديرها المسؤول جورج برباري، بموجب المادة 36 من المرسوم الاشتراعي رقم 104/77 (قانون المطبوعات) معطوفة على المادة 23 (المسّ بكرامة الرؤساء) من المرسوم الاشتراعي عينه، معطوفة على المادة 210 ق.ع. (مسؤولية الهيئات المعنوية)، على خلفية نشر الصحيفة "مانشيت" تحت عنوان: "سفراء جدد في بعبدا... أهلاً بكم في جمهورية خامنئي"، وتمّت إحالتهم إلى محكمة المطبوعات. يُفيد أحد المقاطع التي تضمّنتها "المانشيت" والتي ذكرتها المحكمة بأنّ حزب الله ولبنان تحوّلا من "دويلة داخل الدولة" إلى "دولة داخل الدويلة". وترِد في أحد المقاطع الأخرى عبارة: "لا طاعة ولا إمرة لفخامة الرئيس إنما لسماحة آية الله العظمى إمامنا وقائدنا وسيدنا". أتى هذا الكلام في معرض الردّ على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي كان قد أدلى بخطاب أعلن فيه ولاءه لولاية الفقيه والمرشد الديني الذي يمثّلها، ملمّحاً بالتالي إلى ولائه لإيران بصفتها القيّم النهائي على لبنان، وصاحبة القرار النهائي في شؤون الحرب والسلم اللبنانية. كما انتقدت "المانشيت" أيضاً امتناع الجهات الرسمية في لبنان عن الردّ على هذا الخطاب.
زعَم ممثّل النيابة العامة أنّ هذه التصريحات تمسّ بكرامة رئيس الجمهورية، وتنتهك المادة 23 من قانون المطبوعات التي تُحظّر المسّ بكرامة رئيس الجمهورية أو نشر ما يتضمّن ذمّاً أو قدحاً أو تحقيراً بحقّه. ارتكزت هذه الحجّة، في الأساس، على أنّ "المانشيت" أهانت رئيس الجمهورية عندما ذكرت أن لا طاعة ولا إمرة لفخامة الرئيس (بل للسيد علي الخامنئي).
قبِلَ المدعى عليهما، بشخصهما، تحمّل المسؤولية الكاملة عن هذا المقال، مجادلَين بأنه كان مشروعاً. وعلى وجه التحديد، ادّعى محامو الدفاع بأنّ "المانشيت" تعكس، بكل بساطة، آراء أكثرية المواطنين اللبنانيين، وأنها تضمّنت انتقادات سياسية ضد حزب الله وليس ضد الرئيس، مندرجةً بالتالي في خانة النقاش السياسي المشروع.
استُهلّ القرار، في منطوقه، بالإشارة إلى ضمانات حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور، والمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. فأشار إلى أنّ حرية التعبير "مبدأ أساسي حامٍ للحرّيات والمجتمعات الديمقراطية" وأنها "إحدى الركائز الأساسية ومن الظروف البديهية لتقدّم المجتمع وتطوّره". ومع أنّ حرية التعبير ليست مُطلقة، لكن لا ينبغي تقويضها "إلا بقدر ما يحتاج إليه النظام الاجتماعي من حماية وكرامة الإنسان واعتباره". ومع أنّ القيود المرتكزة على عدم الخدش بالسمعة أو الحياة الخاصة كانت مناسبةً، لكن يجب التوفيق بينها وبين "حقّ النقد المعطى للصحافيين وحقّ الإنسان في معرفة الحقيقة".
تجدر الإشارة إلى أنه قد تمّ إلغاء حكم مماثل من المادة 26 من قانون حرية الصحافة الفرنسي لعام 1881 في 2013 بموجب قرار من المحكمة الفرنسية لحقوق الإنسان.[1]
لحظ القرار أيضاً أنّ "هذا الامتياز الخارق للقانون الوضعي الممنوح لرئيس الجمهورية بسبب وظيفته ليس من شأنه أن يحدّ من توجيه الصحافة نقداً سياسياً له باعتباره رجل الدولة الأول ورمز وحدة الوطن ويعود له رسم السياسة التوجيهية للبلاد بما يضمن وحدتها، فدور الصحافة هنا أساسي لبناء دولة القانون حيث توفّر حرية الصحافة للرأي العام وللمواطنين طريقة من أنجع الطرق لمعرفة أفكار ومواقف قادتهم والحكم عليها، وتُتيح للسياسيين على وجه الخصوص فرصة للتفكير والتعليق على مخاوف الرأي العام وتسمح للجميع بالمشاركة الحرة في الجدل السياسي الذي يقع في صميم فكرة المجتمع الديمقراطي". وقد استندت المحكمة، عندما توصّلت إلى هذا القرار، إلى قضية المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بارثولد ضد ألمانيا[2]، لدعم موقفها بأنّ مجال تضييق الخطاب السياسي محدود جداً، لكنّ مجال الانتقاد أكبر حين يتعلّق الأمر بالمصلحة العامة والسياسيين.
في ما يتعلّق بالبيانات المحدّدة، اعتبرت المحكمة أنّ الإشارات إلى دولة داخل الدويلة وإلى ولاية الفقيه تحمل نقداً سياسياً لواقعة يتناولها الرأي العام في الأوساط السياسية والشعبية، وأنّ طريقة التعبير عن ذلك تندرج ضمن إطار "آداب المهنة الصحفية". أما الإشارة إلى الرئيس تحديداً، فلا يمكن أخذها بالمعنى الحرفي للكلمة بل إلى السياق العام الذي وردت فيه، وقد أفادت المحكمة بأنّ الكاتب "على الرغم من الحدّة التي اتّسمت بها عباراته، لم يخرج عن حدود النقد المباح". عوضاً عن ذلك، مكّن القرّاء من تكوين رأيهم الخاص بالجدل السياسي المذكور والخلاف القائم في المجتمع، مستخدماً في ذلك صوراً بلاغية وخلّاقة. بناءً عليه، لا تحتوي كتاباته هذه "على هجوم غير مبرّر على شخص رئيس البلاد... ولا تخرج عن نطاق حرية التعبير المصانة في دستور البلاد وقوانينه وتقاليده". من هذا المنطلق، قرّرت المحكمة إبطال التعقّبات المساقة بحقّ المدّعى عليهم الثلاثة.
من وجهة نظر القانون الدولي، تُعتبر المادة 23 من قانون المطبوعات اللبناني غير مشروعة البتّة، ويبدو ذلك بشكل واضح من خلال المثال من فرنسا الذي ذكرته محكمة المطبوعات. فوِفقاً للقانون الدولي، ينبغي على السياسيين تقبّل درجة أكبر من الانتقادات بالمقارنة مع غيرهم من المواطنين العاديين، كما ينبغي ألّا يستفيدوا من أي شكل خاص من الحماية ضدّ هذه الانتقادات. بالفعل، تُسلّط الحقائق المرتبطة بهذه القضية نفسها الضوء على عدم مشروعية هذه الحماية. ومن الواضح أنّ هذا المقال كان موجّهاً في المقام الأول ضد حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله، وليس ضدّ رئيس الجمهورية. غير أنّ هذه الدعوى رُفعت باسم الرئيس، بالرغم من أنّ المقال لم يذكره إلا بشكل عرضي تماماً، بسبب وضع الحماية الخاصة التي يتمتّع بها مركز الرئيس بموجب قانون المطبوعات. بعبارة أخرى، أدّت هذه الحماية الخاصة إلى القيام بجهود غير مباشرة بشكل أساسي بهدف تجريم الإعلام في هذه القضية. بناءً عليه، يكون الحلّ المناسب في هذه الحالة هو إلغاء المادة 23.
مع ذلك، عند تحليل هذا القرار، يمكن القول إنه يتضمّن عدداً من العناصر الإيجابية جداً. فيعتمد بشكل ملحوظ على القانون الدولي والمقارن، وهو أمر مرحّب به. كما يحدّد بعض الأسس المنطقية الأهم التي تقوم عليها حرية التعبير، كحماية الحقوق الأخرى، ودعم الديمقراطية وسيادة القانون، وكشف الحقيقة بشأن المسائل المثيرة للجدل، وتمكين المواطنين من التعرّف على قادتهم السياسيين والمشاركة في النقاش السياسي، وحتى تعزيز التطوّر السليم. فضلاً عن ذلك، وصف القرار المقال، بشكل صحيح، على أنه مساهمة في النقاش والنقد السياسي.
هذا من جهة. أما من جهة أخرى، ففي ما يتعلّق بقضية التعليقات على الرئيس بالتحديد، لم يكن القرار، في جزء منه، جريئاً كما كان بإمكانه أن يكون. على سبيل المثال، اقترح عدم أخذ البيانات حرفياً. ومع أنّ هذا الأمر قد يكون صحيحاً بالمعنى الدقيق للكلمة، لا شكّ في أنّ المقال تضمّن فعلاً انتقاداً للرئيس. ومع أنّ المحكمة لمّحت نوعاً ما إلى أنّ هذا الانتقاد بقي ضمن حدود الخطاب المحمي، إلا أنها موّهت استنتاجها من خلال الإشارة إلى دور تقنيات البلاغة والسياق.
في نهاية الأمر، تجدر الإشارة إلى أنّ ضمانة حرية التعبير الواردة في المادة 13 من الدستور اللبناني تحمي حرية التعبير "ضمن دائرة القانون" فقط. فيحدّ هذا الأمر من أدوات الاجتهاد المتوفرة للقضاة اللبنانيين عند إصدار قرار في قضايا الإعلام. في المقابل، بموجب القانون الدولي، يجب أن يكون لأي قيود مفروضة على حرية التعبير، هدف مشروع - كحماية الأمن القومي أو احترام السمعة - وأن تكون هذه القيود ضروريةً لحماية هذا الهدف، بالإضافة إلى ضرورة أن تكون محدّدة بنصّ قانوني. يُتيح هذا الأمر للقضاة إجراء اختبار متين للقيود، لتحديد ما إذا كانت متوازنة بشكل مناسب مع حرية التعبير. وبما أنه قد تعذّر على القضاة الناظرين في هذه القضية الارتكاز على هذه الأنواع من المعايير عند إصدار أحكامهم، فقد سجلوا خطوةً قويةً جديدةً على صعيد دعم حرية التعبير.
[1] يمكن الاطلاع على نسخة محدّثة لقانون الصحافة لعام 1991، تُظهر إلغاء المادة 26 فعلاً، على هذا الرابط: https://www.legifrance.gouv.fr/loda/id/JORFTEXT000000877119/. وكانت القضية في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هي قضية "إيون ضد فرنسا"، رقم الطلب 26118/10، 14 آذار/مارس 2013، https://hudoc.echr.coe.int/eng#{%22itemid%22:[%22001-117742%22]}
[2] الطلب رقم 8734/79، 25 آذار/مارس 1985
https://hudoc.echr.coe.int/eng#{%22fulltext%22:[%22%22CASE%20OF%20BARTHOLD%20v.%20GERMANY%22%22],%22documentcollectionid2%22:[%22GRANDCHAMBER%22,%22CHAMBER%22],%22itemid%22:[%22001-57432%22]}.
صدر هذا التقرير بفضل الدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية.