الرجاء إدخال البريد الالكتروني للحصول على رمز تأكيد التنزيل.
أدخل رمز التأكيد
يرجى ملء الحقول أدناه، ومشاركتنا رابط المقال و/أو تحميله:
يرجى إستعمال الملف ك pdf, doc, docx
مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية - سكايز - مؤسسة سمير قصير

الصحافة السورية في زمنين: بين الرعب الأسدي والإعلام البديل

الخميس , ٢٩ تشرين الأول ٢٠١٥


في وجه من وجوهها كانت الثورة السورية في حقبتها السلمية ثورة شبان ناشطين في التظاه والاعلام البديل، الذي لم يكن له من وجود في سوريا البعث والأسد قبل الثورة. وبمناسبة صدور كتاب «الصحافة السورية بين خلافتين» عقدت مؤسسة فريدريرتش ايبرت الالمانية في بيروت ندوة لمناقشة تطور الصحافة السورية بعد عام 2011، شارك فيها مؤلف الكتاب الكاتب والصحافي السوري عبدالله امين الحلاق، والروائي والكاتب اللبناني محمد أبي سمرا، إضافة إلى أيمن مهنا المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير لحرية الصحافة. وقدمت الندوة وأدارتها الإعلامية السورية ديما ونوس.


في مداخلته، استعرض عبدالله الحلاق مراحل الصحافة السورية منذ انقلاب حزب البعث (1963) وتسلم حافظ الاسد زمام السلطة في سوريا (1970) ليتحول نظام الحزب الواحد الى نظام التلفاز الواحد ورسالته الوحيدة هي تمجيد الحاكم. واقتصر البث التلفزيوني في سوريا على محطتين: الأولى تظهر الرئيس يخطب والثانية تظهر رجل مخابرات ينبّه الناس كي يتحولوا لمشاهدة الاولى. لم يكن وضع الصحافة افضل، فهي صحافة تشريفات حيث لا يخرج شيء إلى العلن إلا بإذن النظام ومشيئته. التزمت مانشيتات الصحف الرسمية الثلاث الأشهر: البعث وتشرين والثورة، بقرارات ومراسيم رئيس البلاد بحيث اقتصر التمايز فيما بينها على ترتيب الكلمات نفسها، كأن تكتب احداها «السيد الرئيس يعلن» فتكتب الأخرى «يعلن السيد الرئيس».

بعد وفاة الأسد الأب وتسلم الأسد الابن تهيأ للشعب ان ثمة بوادر اصلاحية ممكنة. انتشرت المنتديات وظهر ربيع دمشق في 2000. أعقبه صدور مرسوم تشريعي خاص بحرية المطبوعات كان إيذانا بالسماح لمطبوعات غير رسمية بالصدور في سوريا. قُضي على ربيع دمشق بعد سنتين مع اعتقال كتابه وصحافييه. ولم يوفر الاعتقال موقّعي وثيقة دمشق بيروت – بيروت دمشق في 2006 المطالبة باستقلال لبنان وديموقراطية سوريا. كما منعت الصحف العربية من دخول سوريا.

انطلقت شرارة الثورة بعد خمسين سنة من الصمت. انفجر المجتمع السوري وانتشرت صحف المعارضة التي عملت بوسائل بدائية في بداية الثورة. في 2011 منع النظام السوري معظم المراسلين والوكالات العربية والعالمية من دخول سوريا. وكان النظام السوري عدو الصحافيين والمثقفين المعارضين. تبدل الامر مع السنة الثانية للثورة وحتى اليوم فأصبحوا أمام خطرين: التنظيمات الإسلامية المتشددة والأسد.

الروائي والصحافي اللبناني محمد ابي سمرا تحدث عن تجربته في كتابة «موت الأبد السوري» الذي يروي سيرا وشهادات حيّة عن الثورة السورية، وصدر في العام 2012 في بيروت.

تحدث الكاتب عن كيفية تأليفه كتابه ابتداء من العام 2005 في غمرة تحرر لبنان من القبضة الأمنية والعسكرية السورية الأسدية، فصادف رجلاً، والده سوري وأمه لبنانية، روى له سيرته السورية واللبنانية وسيرة تنقله لسنوات عديدة في 15 سجناً من سجون الأسد، لأن العنف والترويع حمله مرة على شتم حافظ الأسد في مكتب سكرتير وزير التربية السورية «حملتني رواية الرجل المروّعة على طلب تسجيل سير وشهادات تروي ما يعيشه السوريون في بلادهم التي كانت تندر فيها الأخبار والشهادات والكتابات عن حياتهم ومجتمعهم وحوادثهم. ظننت آنذاك ان وجود ألوف العمال السوريين المنتشرين قلقين ومهمشين منذ سنين طويلة في الديار اللبنانية يسهّل هذا الأمر. لكني سرعان ما اكتشفت ان صمتهم وهامشيتهم لا ينطويان على الخوف من الرواية والخبر، بل على ما يمكن تسميته إرادة الخوف والكتمان التي اجتثت مقدرتهم على الخبر والرواية عن حياتهم وبلادهم، كما في الديار اللبنانية حيث اكتفوا بتحصيل القوت وكفاف العيش».

فالنظام البعثي الذي تسلط على سوريا تسلطاً طغيانياً حول البلاد سجوناً ومعتقلات تمحو الذاكرة والخبر عن الناس والحوادث، وتقصر إرادة الكلام والتعبير إما على الكلمات الأبدية الخاوية للبعث والرئيس القائد، وإما على التواصل الآني الوظائفي شبه البيولوجي بين البشر.

واعتبر ابي سمرا ان كل السير والشهادات عن سوريا الأسد كانت تنتظر الحدث السوري الكبير المستمر منذ مارس 2011، كي يبدأ السوريون النطق والكلام بأجسادهم وألسنتهم من الديار السورية الصامتة الخرساء في سجون الكتمان والخوف والترويع. وختم ابي سمرا مداخلته بملاحظة هي أشبه بنعي مسبق للصحافة العربية المكتوبة التي تعيش حالة احتضار، مسجلا انتفاء العمل الصحافي الذي ينقل مادة اجتماعية حية واقتصاره على دور مرآة لمجالس السياسيين.

مدير «مؤسسة سمير قصير»، أيمن مهنا، تكلم بلغة الأرقام مسلطاً الضوء على واقع الصحافة السورية البديلة بعد 2011 وطارحاً جملة تحديات تواجه هذه الصحافة.

التحدي الاول بحسب مهنا هو: لمن نكتب اليوم؟ فالشعب السوري يعيش قسم منه في مناطق النظام وقسم تحت وطأة البراميل، وقسم تحت سيطرة المنظمات الاسلامية المتشددة، اضافة الى اللاجئين في لبنان وتركيا والاردن وفي الشتات الاوروبي.

فإذا كان الهدف من وراء هذه المنشورات إعلام الرأي العام يعترف مهنا بالفشل. اما اذا كان الهدف تشكيل صحافة سورية لما بعد الأسد فلا بد من صقل وتعزيز لهذا الامر.

التحدي الثاني يكمن في توزيع هذه المنشورات في مناطق تخضع كل منها لفريق معين، وهو ما يستوجب حماية هذا الفريق ويطرح تساؤلات حول جودة المادة الصحافية «المحمية». 

التحدي الثالث هو التعامل مع الواقع خارج سوريا بعد تضييق كل من تركيا ولبنان على دخول السوريين وخروجهم وعلى اقاماتهم وعملهم. 

التحدي الرابع هو في التمويل الدولي الذي يمر عبر شركات خاصة تبغي الربح اولا ما يحول المشروع الى تجارة.

في ختام مداخلته، أكد مهنا ان مشاكل الاعلام السوري بعد الثورة ليست نتيجة تراكم من عهد النظام فحسب، وان ما ينتظر الاعلام السوري هو إعادة نظر من قبل الممولين بعد اكتشافهم ان الشعب السوري بغالبيته لم يسمع بهذه المنشورات، ما سيدفعه الى تقليص التمويل. الامر الذي سيؤدي الى توقف العديد من الصحف. وهي حال الصحافة التقليدية العربية. وتوقع مهنا صمود نوعين من الصحف: الصغيرة جداً اي التي تتوجه الى بيئة محددة واهتمامات محددة، والامبراطوريات الاعلامية الكبرى. اما الصحافة الواقعة ما بينهما فإن مستقبلا أسود ينتظرها.

مشاركة الخبر