الرجاء إدخال البريد الالكتروني للحصول على رمز تأكيد التنزيل.
أدخل رمز التأكيد
يرجى ملء الحقول أدناه، ومشاركتنا رابط المقال و/أو تحميله:
يرجى إستعمال الملف ك pdf, doc, docx
مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية - سكايز - مؤسسة سمير قصير

تقييم قضية نقابة محرّري الصحافة اللبنانية ضد تجمع النقابة البديلة من منظور القانون الدولي

الخميس , ٢٣ أذار ٢٠٢٣

بالتعاون مع مركز القانون والديمقراطية، تقوم مؤسسة سمير قصير بتقييم أبرز الأحكام القضائية اللبنانية المتعلقة بمسائل حرية الرأي والتعبير والصحافة، من منظور القانون الدولي وأفضل الممارسات. بعض هذه الأحكام أتى لصالح تعزيز الحريات، في حين أحكام أخرى ساهمت في التضييق على الحريات والحقوق. في ما يلي، دراسة الحالة الثانية، حول الحكم الصادر لصالح صحيفة "تجمع نقابة الصحافة البديلة" في يوم الجمعة 17 كانون الأول/ديسمبر 2021، في القضية التي رفعتها ضد التجمع نقابة محرري الصحافة اللبنانية.

الوقائع

تقدّمت نقابة محرّري الصحافة اللبنانية بطلب أمام قاضي الأمور المستعجلة، لمنع تجمّع نقابة الصحافة البديلة من الإدلاء بأي تصريح عبر أي وسيلة إعلامية في لبنان، ومن نشر أي أخبار أو بيانات أو مقالات من أي نوع. كما دعت نقابة المحرّرين إلى فرض غرامة قيمتها مئة مليون ليرة لبنانية عن كل مخالفة لهذا القرار. يبدو أنّ نقابة المحرّرين أقدمت على هذه الخطوة ردّاً على طعن نقابة الصحافة البديلة في نتائج انتخاباتها النقابية التي وثّقت نقابة الصحافة البديلة خلالها عدّة انتهاكات. وِفقاً للمحكمة، تهدف هذه الطلبات المعجّلة، سنداً لأحكام المادة /604/ محاكمات مدنية، إلى التعامل مع الأوضاع التي تدعو فيها الحاجة إلى اتّخاذ قرار معجّل من أجل "حماية مصالح الأشخاص عند تحقّق عجلة ملحّة وضرورة قصوى تُحتّم اتّخاذها لتعذّر الانتظار واتّباع إجراءات التقاضي العادية". خلال هذه الإجراءات، يصحّ إصدار القرار من دون دعوة الخصم واستماعه.  

 

القرار

استُهلّ القرار بالإشارة إلى الأهمية التي يوليها القانون الدولي لحرية التعبير وأهميتها بالنسبة إلى الديمقراطية. كما أشار إلى أنّ الدستور اللبناني يذكر أنّ لبنان عضو مؤسس لمنظمة الأمم المتحدة، وبالتالي فهو ملتزم بمواثيقها، لا سيّما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما أشار القرار بشكل واضح وصريح إلى المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تضمن حرية التعبير، فضلاً عن إعلان الأمم المتحدة الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان. وأضاف أنّ لبنان "هو جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحرّيات العامة وفي طليعتها حرية الرأي، على ما نصّت عليه المادة /13/ من الدستور اللبناني التي تكفل ضمن دائرة القانون حرية إبداء الرأي قولاً وكتابةً وحرية الطباعة وغيرها".


إلى جانب الإشارة إلى هذه الضمانات الدولية والدستورية بحرية التعبير، ذكرت المحكمة أنّ هذا الحقّ مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحرية التجمّع السلمي وأنه "يُشكّل إحدى الدعائم الجوهرية للمجتمع الديمقراطي، ويلعب دوراً مفصلياً في حماية حقوق المواطن وصيانة الديمقراطية وحكم القانون وتطوّر المجتمع وإصلاحه".

في ما يتعلّق بالقضية المطروحة، لحظت المحكمة أنّ "القضاء هو حامي الحرّيات، ومنها حرية التعبير والحرّيات الفردية والشخصية". وأشارت إلى أنّ قاضي الأمور المستعجلة لا يتدخّل في هذا الإطار إلا استثنائياً لاتّخاذ تدابير تحدّ من حرية الرأي والتعبير "متى تجاوز حقّ المحافظة على سمعة الفرد حقّ الإعلام والاستعلام"، وأنّ هذا الأمر لا ينطبق إلا "عند تعرّض الفرد لأضرار جسيمة لا يمكن تداركها أو التعويض عنها". وأضافت المحكمة أنّ مهمة القاضي في هذه الحالة هي "التوفيق قدر المستطاع بين مختلف الحقوق والحرّيات".


كما لحظت المحكمة أنّ نقابة الصحافة البديلة تتمتّع بالحقّ في حرية التعبير، وأنّ طلب الجهة المستدعية يسعى إلى الحدّ من هذا الحقّ. وقد فشلت نقابة المحرّرين في تقديم ما يُثبت أنها ستتعرّض لضرر احتمالي جرّاء ممارسة نقابة الصحافة البديلة لِحقّها في حرية التعبير. بناءً عليه، ردّت المحكمة طلب نقابة المحرّرين. فمع أنه بمقدور المحكمة التدخّل للحدّ من خطر وشيك أو منع وقوع ضرر جسيم لا يمكن التعويض عنه لاحقاً، لا يمكنها منع نقابة الصحافة البديلة من التحدّث إلى الإعلام بشكل عام.

في ضوء مجمل ما تقدّم، ردّت المحكمة طلب نقابة المحرّرين، مع إبقاء حقّ الجهة المستدعية محفوظاً لتوسّل الرقابة القضائية اللاحقة.

 

التحليل

بادئ ذي بدء، تجدر الإشارة إلى أنّ ادّعاء نقابة المحرّرين كان، على المستويين الاجتماعي والأخلاقي، غير شرعيّ تماماً، خاصةً من حيث النطاق الهائل الذي اتّخذه. فهو لم يكتفِ، مثلاً، بطلب منع النقابة البديلة من التشهير بنقابة المحرّرين، أو حتى التحدّث عنها جهاراً، بل حاول كمّ فاهها تماماً. فضلاً عن ذلك، يُمثّل أي إجراء من هذا القبيل، في حال فُرض، شكلاً واسعاً جداً من القيود المسبقة التي يتعامل معها القانون الدولي لحقوق الإنسان بريبة شديدة، والتي لا تكون مشروعةً إلا في ظروف محدودة جداً. فكما أشارت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، "إنّ المخاطر الكامنة في القيود المسبقة هي من الدرجة التي تستدعي تدقيقاً شديد الدقّة من جانب المحكمة"[1].

من الإيجابي أنّ المحكمة أشارت في هذه القضية إلى ضمانات دولية مختلفة خاصة بحرية التعبير، فضلاً عن الدور المهم لحرية التعبير في المجتمع، وهو أمر اعترفت به على نطاق واسع. وبطبيعة الحال، كانت النتيجة تحقيق انتصار لحرية التعبير. في الوقت نفسه، لم تُشِر المحكمة إلى النطاق غير المنطقي البتّة للانتصاف الذي طلبته نقابة المحرّرين، وهو طلب اتّخذ طابعاً مفاجئاً إلى حدٍّ كبير. لكنّ المحكمة أشارت إلى عدم وجود أي دليل يُثبت تعرّض نقابة المحرّرين لأي ضرر.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت المحكمة أيضاً، بطريقة غير مباشرة نوعاً ما، إلى فكرة القيود المسبقة، من خلال تعليقها بشأن الرقابة "المسبقة" من قِبل قضاء العجلة والشروط المتعلّقة بذلك. فانطوى القرار على هذه الفكرة بشكل ضمني نوعاً ما. مع ذلك، كان سيكون من المفيد لو أنها تجاوزت هذا الحدّ، وذكرت الفكرة بشكل صريح موضّحةً أنّ المستدعي يطلب منها فرض تقييد مُسبق على حرية الخطاب، مع التشديد على وجود قرينة قوية ضدّ شرعية أي إجراء مماثل.

 

[1] Observer and Guardian v. United Kingdom, Application No. 13585/88 (1991), para. 60, http://hudoc.echr.coe.int/eng?i=001-57705).


صدر هذا التقرير بفضل الدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية.


مشاركة الخبر