من البديهي أن يرفض المرء الكراهية وينأى بنفسه عنها. فالكراهية شعور سلبي، يُدينه كلٌّ من الأديان والفلسفات الأخلاقية، بالإضافة إلى المعايير الاجتماعية العالمية. ولكنّ، تجاوزاً للجانب العاطفي، يمكن اعتبار الكراهية، عندما تتجلّى بأخطر أشكالها، عملية تفكيرية وأداة سياسية. وفي المجال السياسي، تعطّل الكراهية العلاقات الإنسانية بجوانبها كافة، وتنتشر وتتضخّم حتى تُسفر لا محالة عن الكوارث والمآسي. إن الكراهية في المجال السياسي مطلقة، لا ترحم ولا تقبل التفاوض. لذلك، عندما يكتسح الخطاب السياسي المرتكز على كراهية فئة معيّنة أو فكرة محدّدة، العقلية الجماعية لفئة سكّانية معيّنة أو مجموعة من الأشخاص، يكتسب قوةً فائقةً حتى يصبح احتواؤه عملية عسيرة جداً. ولا بقتصر تأثير هذا الخطاب على ذلك فحسب، بل المقلق على حدٍّ سواء هو قدرته على تحويل الأفراد إلى ماكينات مروّجة للكراهية، واستغلال هذا التأثير الجماعي لتمهيد الطريق نحو العنف. يُعرف هذا الخطاب بخطاب الكراهية. وهو خطاب عالمي وشائع وخطير. لذا، ينبغي عدم إغفال هذه الظاهرة، وإنما يجب تسليط الضوء عليها ومكافحتها بكل ما أوتيَ المرء من موارد. فالتاريخ، أقريباً كان أم بعيداً، شاهد على التأثير الكارثي الذي يُخلّفه خطاب الكراهية على السكان من مختلف الأطياف.
يحتاج خطاب الكراهية إلى وسيط لكي ينمو ويستشري. وعلى غرار أي خطاب آخر، يتفشّى ويكتسب جمهوراً أوسع، ثم يتجلّى بكل استفزاز عندما يُمسي معمّماً في الخطاب السائد، فيبدو الخط الفاصل بينه وبين حرية التعبير مموّهاً بشكل متعمّد. في هذا الإطار، تبرز وسائل الإعلام كالمنبر النموذجي لتعميم خطاب الكراهية. وكلّما كانت الوسيلة الإعلامية راسخةً ومُمَأسسة، كلّما ساهمت بشكل أفضل في تبرئة خطاب الكراهية وتلميع صورته. قد يكون من البديهي بالنسبة إلى الكثيرين ألّا تُقدم وسائل الإعلام المحترمة على ربط نفسها بخطاب الكراهية، إلّا أنّ الواقع مختلف تماماً. فخطاب الكراهية ليس أحد المحظورات كما يُفترض به أن يكون، لا بل إنه ليس حتى موضوعاً مثيراً للجدل. فلا نواقيس الخطر تُدَقّ ولا صفارات الإنذار تنطلق عندما يرتكب أحد الضيوف زلّة، أو يتقصّد الإدلاء بتعليق مليء بالكراهية ضدّ مجموعة من الأشخاص. من هذا المنطلق، يحتضن الإعلام في لبنان، بطريقة أو بأخرى، سياسةً متناميةً ومنهجيةً لخطاب الكراهية. فلا تتوانى وسائل الإعلام، في البرامج الحوارية والمقابلات، عن تخصيص قدر من وقت الإرسال لشخصيات معروفة بنفثها لخطاب الكراهية، ثم تراقب في صمت بينما تُلوّث هذه الشخصيات الوعي الجماعي لأمّة برمّتها. في المقابل، ارتفع معدّل توغّل وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها حتى أصبحت منصّةً جذابةً لحملات خطاب الكراهية المنهجية.
في لبنان، أمسى خطاب الكراهية، بصورة متزايدة، نهجاً منظّماً يُستخدم للتأثير على الرأي العام ونظرته إلى الأفراد، والمجموعات، والسياسة. فقد أظهرت عدّة حوادث عنف في السنوات الماضية، بشكل واضح، الرابط بين حملات خطاب الكراهية والاغتيالات السياسية على سبيل المثال. في أيلول/سبتمبر 2021، نشرت مؤسسة سمير قصير دراسةً عن شبكات الكراهية التي ترصّدت الكاتب والباحث والناشط السياسي اللبناني لقمان سليم، قبل اغتياله. فتمعّنت الدراسة في المشهد السائد على تويتر في الفترة المحيطة باغتياله، وجمعت أدلةً رقميةً ملموسة تُثبت وجود شبكات كراهية على درجة كبيرة من التعقيد استهدفته حتى ما بعد وفاته. في هذه الحالة، كانت النية واضحة، والكراهية منظّمة.