الرجاء إدخال البريد الالكتروني للحصول على رمز تأكيد التنزيل.
أدخل رمز التأكيد
يرجى ملء الحقول أدناه، ومشاركتنا رابط المقال و/أو تحميله:
يرجى إستعمال الملف ك pdf, doc, docx
مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية - سكايز - مؤسسة سمير قصير

التضليل الإعلامي: استهلاك الأخبار الكاذبة في لبنان

المصدر خاص سكايز
الخميس , ٠١ حزيران ٢٠٢٣
Design: Mahmoud Younis

تبرز، في أيامنا هذه، تساؤلات وشكوك عديدة حول جودة العمل الصحافي والمنتجات الإعلامية، وتأثير ما تنشره الصحافة من معلومات، ومصداقية هذه المعلومات. فتتعرّض الصحافة لانتقادات متكرّرة بسبب نشرها أخباراً مضلّلة بين الحين والآخر، بالإضافة إلى تنظيمها حملات على درجة عالية من التنسيق لنشر الأكاذيب، ويُشار إلى ذلك عادةً بـ "الأخبار الكاذبة".  ولا تلبث هذه الخدع أن تُحقّق انتشاراً واسعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء أكانت قد نُشرت بقصد أو من دون قصد. فتُصنّف عادةً كمعلومات مضلّلة، أو خبيثة، أو خاطئة، بحسب الدوافع المتعمّدة أو غير المتعمّدة التي ترتكز عليها.

اجتاحت موجة الأخبار الكاذبة وسائل الإعلام الرئيسية والاجتماعية والبديلة، بأنواعها كافة. ولم يكن مستهلكو وسائل الإعلام اللبنانية بمنأى عن هذه الظاهرة.

في شباط/فبراير 2023، أُجريت دراسة بحثية نوعية معمّقة، تناولت جمهوراً مؤلّفاً من رجال ونساء لبنانيين من مختلف الطوائف والفئات العمرية، على مستوى القاعدة الشعبية. هدفت الدراسة إلى فهم تأثير الخطاب الإعلامي، لا سيّما ذلك الذي يُسهم في تعميم الأخبار الكاذبة، والتي يتلقّفها المستهلك، أي المتلقّي. وبالتحديد، تتعمّق هذه الدراسة في كيفية وقوع المواطن أو المستخدم النهائي على الأخبار الكاذبة، وكيفية تلقّيها، وتصوّرها ذهنياً، وفهمها، والتفاعل معها.

تهدف هذه الدراسة إلى تحديد:

  • القنوات المحدّدة التي يتلقّى عبرها المستخدم النهائي للوسيلة الإعلامية رسائل الأخبار الكاذبة؛
  • مكوّنات الرسالة نفسها التي تجعلها أكثر أو أقلّ ميلاً إلى البقاء في ذهن المتلقّي؛
  • العوامل المتعلّقة بشخصية المتلقّي وبيئته التي تجعله أكثر أو أقلّ تقبّلاً للأخبار الكاذبة.

النتائج الأساسية

1. ما زال التلفزيون يتصدّر مصادر الأخبار الرئيسية. لكنّ وسائل التواصل الاجتماعي، مثل إنستاغرام وفايسبوك، فضلاً عن الصفحات المحلية، تحظى بشعبية واسعة أيضاً بفضل سهولة الوصول إليها وقدرتها على تقديم آخر الأخبار، لا سيّما على المستوى المحلي الضيّق، في أي وقت كان ومن أي مكان. لذا، يعتمد بعض المشاركين على مجموعات واتساب الخاصة لمتابعة وتلقّي آخر التطوّرات في أحيائهم المحلية. تُعتبر المعلومات الموفّرة عبر هذه القنوات جديرة بالثقة، خاصةً وأنّ المستهلكين والمرسلين لآخر المستجدات هم من السكان المحليين أنفسهم.

2. في العادة، يُلقي المشاركون في الدراسة نظرة سريعة إلى مجموعة متنوّعة من القنوات الإخبارية ومنصّات وسائل التواصل الاجتماعي لاستقاء أخبارهم، فيقيّمون مدى صدقها ويحاولون "تبيّن الحقيقة". في هذا الإطار، لوحظ أنّ الثقة بالقنوات الإخبارية كانت معدومةً لدى المشاركين في مجموعات التركيز المختلفة، فلم ينسبوا المصداقية أو الموضوعية إلى أي وسيلة إعلامية على وجه التحديد، حتى وإن كانت الوسيلة الإعلامية مواليةً لطائفة المشاركين أنفسهم أو لخطّهم السياسي. فقد أكّدوا جميعهم أنهم يستهلكون المحتوى الإعلامي بحذر شديد ونسبة محدودة من التصديق. يعود انعدام الثقة هذا إلى أنّ القنوات الإخبارية تكون مملوكةً من قِبل سياسيين وأحزاب. من هنا، يُصرّ المشاركون على أنّ كل وسيلة إعلامية تُقدّم الأخبار وِفقاً لمصالحها الخاصة ومصالح السياسي الذي يموّلها. فضلاً عن ذلك، بدا من الواضح أنّ المشاركين يدركون تماماً أنّ هذه الوسائل الإعلامية تروّج للأجندات السياسية الخاصة بمموّليها وجهاتها الراعية، وأنها مجرّد أدوات بأيدي مالكيها الذين يستغلّونها كأحد بيادقهم الكثيرة لشنّ معاركهم وتحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية.

3. للوهلة الأولى، بدا أنّ جميع المشاركين على علم بالدوافع الاقتصادية الكامنة (البحث المتواصل عن المنافع والأرباح...) والأجندات السياسية الخفية (الترويج للأحزاب السياسية، دعم المصالح الطائفية، الانتصار لشخصية سياسية تُعتبر القائد أو الزعيم المحلي) للإنتاجات الإعلامية اللبنانية. وبالتالي، فمن الطبيعي أن يكونوا على علم أيضاً بالتأثيرات والعقبات المرتبطة بمنتجاتها السلبية، كالأخبار الكاذبة مثلاً. فاتهموا وسائل الإعلام اللبنانية بأداء دور أساسي في إشعال فتيل العداوات و/أو تأجيجها، كونها مملوكة أو مموّلة من قِبل فصائل دينية وأحزاب سياسية ذات خط طائفي ومذهبي معروف، و/أو تخضع لإدارتها. من هنا، تلجأ هذه الوسائل الإعلامية إلى الأخبار الكاذبة، من جملة أدوات أخرى، لإيجاد بيئة خصبة تكرّس الانتماءات المذهبية، والولاءات الطائفية، واللجوء إلى العنف، على خلفية استراتيجيات اتصال متعدّدة المستويات.

4. صحيح أنّ معظم المشاركين يتمتّعون بمستوى معيّن من الثقافة في مجال المعلومات، إلا أنّ هذه الميزة لا تُحصّنهم ضدّ الأخبار الكاذبة. فتراهم غير قادرين على تحديد كافة أشكال الأخبار الكاذبة، ومعرّضين للمعلومات الخاطئة والمضلّلة.

كانت الأزمة الاقتصادية من العوامل الأساسية التي ساعدت المستهلكين الإعلاميين على تحسين قدرتهم على مواجهة الرسائل الإعلامية المشبوهة. فتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الأزمة أثّرت على جميع المجتمعات المحلية اللبنانية، ووضعتها في مواجهة الطبقة السياسية الثرية. في الواقع، يعتقد البعض أنّ الحرمان الاجتماعي والاقتصادي الذي كانت وسائل الإعلام قد استغلّته لتفريق الجماعات قد بدأ اليوم يوحّد المنتمين إلى طوائف مختلفة ضدّ من "استغلّهم". إلى جانب ذلك، يدرك المشاركون أنّ جميع المواطنين اللبنانيين، بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية أو السياسية، باتوا فقراء، في حين يزداد أعضاء الطبقة السياسية والاقتصادية الحاكمة ثراءً. ينطبق هذا الأمر على مختلف الطوائف الدينية والأحزاب السياسية، القائمة على المحسوبيات، التي تُعطي الأولوية للمكاسب الشخصية على حساب رفاه الشعب اللبناني.


5. دُهش جميع المشاركين في مجموعات التركيز لدى "الكشف" بأنّ جميع الأخبار التي طُلب منهم تقييمها هي أخبار كاذبة، بالرغم من أنّ معظمهم شكّك في صحتها في بادئ الأمر. فقد انتقدوا مَيْل المقاطع المقتطفة إلى المبالغة، وضعف اتّساقها، واعتمادها أسلوباً ونبرةً غير لافتين، فضلاً عن النوايا المشبوهة لكتّابها.

6. تفاعل المشاركون بشكل مختلف مع نظريات المؤامرة المحلّلة الأربع، وذلك بناءً على معتقداتهم الشخصية وانتماءاتهم السياسية. في الحالات كافة، اعتبر المشاركون أنّ بعضها هو عبارة عن أخبار كاذبة بسبب عدم وجود أدلّة في المقالات والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي عن الأفراد أو الكيانات الذين نشروا الخبر، فضلاً عن غياب الإحصاءات والأرقام. مع ذلك، لم يستبعدوا احتمال أن تكون الوقائع صحيحة، كبعض المشاركين الذين فكّروا في إمكانية أن تكون الأرض مسطّحة لاعتقادهم بأنّ الناسا قد أصدرت بياناً بهذا الشأن.
من الأمثلة التي عُرضت على المشاركين خبر يُفيد بأنّ الرئيس التنفيذي لشركة فايزر أعلن أنّ هدف شركته من لقاح كوفيد-19 هو تقليل عدد سكّان العالم بنسبة 50% بحلول أوائل العام 2023. تباينت ردود فعل المشاركين، فصدّق البعض الخبر في حين رفضه البعض الآخر نظراً إلى استمرار الشكوك المتعلقة بكوفيد-19، فضلاً عن الحقائق والأهداف المتعلّقة باللقاحات. لكنّ العديد من المشاركين أعربوا عن شكّهم في أن يُقدِم الرئيس التنفيذي لفايزر على الكشف عن مثل هذه المعلومات التي يمكن أن تضرّ بسمعة الشركة. ومن الأمثلة الأخرى، ادّعاء الوزير السابق مروان خير الدين بأنّ احتياطي لبنان من الغاز أكبر من احتياطي قطر. فصدّق معظم المشاركين هذا التصريح، معتبرين أنّ الوزير مطّلع على معلومات داخلية أكثر من عامة الناس. بشكل عام، اختلفت ردود فعل المشاركين تجاه نظريات المؤامرة اختلافاً واسعاً بناءً على معتقداتهم الشخصية، وانتماءاتهم السياسية، وقدرتهم على مزاولة التفكير النقدي. في هذا الإطار، تُسلّط الدراسة الضوء على أهمية التمييز بين المعلومات الموثوقة والأخبار الكاذبة، وضرورة تحسين مدى الإلمام بالمبادئ الإعلامية بين عامة الناس. 

7. صحيحٌ أنّ أكثرية المشاركين يفكّرون، بشكل نقدي، في كيفية مساهمة التكنولوجيا الرقمية ومنصّات التواصل الاجتماعي في انتشار المعلومات المضلّلة، إلا أنهم لا يتحقّقون ممّا يرِد على وسائل التواصل الاجتماعي. زِد على ذلك أنّ معظمهم لا يواجهون أو يحاربون الإساءة على الإنترنت، معتبرين أنها خطوة عقيمة كونها "لن تغيّر أيّ شيء"، كما أنها خطرة في مجتمع على درجة كبيرة من الانقسام الطائفي والحزبي. فيفضّلون إذاً "البقاء على الحياد"، و"الالتزام بالصمت" و"عدم التدخل". من هذا المنطلق، يُشارك عدد محدود من المشاركين في النقاشات الإلكترونية ضمن المنتديات أو المجموعات، خاصةً عندما تتناول هذه الأخيرة مواضيع سياسية أو طائفية، لاعتقادهم بأنّ هذه النقاشات تتحوّل غالباً إلى خطب غير منطقية، وشتائم، وإهانات لا يرغبون في التعرّض لها.

هذا من جهة، أمّا من جهة أخرى، فيتوخّى عدد من المشاركين الحذر عند نشر الأخبار والمعلومات. بالفعل، لا يتبادل بعضهم المعلومات إلا مع معارفهم وزملائهم، إذا اعتقدوا بأنّ المصدر موثوق وذو مصداقية.


8. يثق العديد من المشاركين بشخصيات دينية محلية "ذات مصداقية" أكثر من غيرها. فمع أنّ هذه الشخصيات تكون منحازة سياسياً وتُروّج لقيم حزب معيّن، لكن من المعتبر أنها تملك صفات أخلاقية (كالتحلّي بالمصداقية وعدم الفساد) وتتمتّع بمستويات جيدة من التعليم و/أو المعلومات، كما تُعتبر جهات "مطّلعة" تحصل على المعلومات المطلوبة من مصادر معنية وموثوقة عن طريق اللقاءات الشخصية. فضلاً عن ذلك، يُشدّد معظم المشاركين على أهمية العلاقات المحلية، كونهم يعتقدون أنّ التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي لا تُخلّف تأثيراً ملحوظاً على طريقة تفكيرهم، كما تفعل علاقاتهم المباشرة بالأشخاص الذين يثقون بهم.

تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المفهوم له آثار إيجابية وسلبية على السواء. فبمقدور هذه المصادر الموثوقة أن تُقدّم معلومات صحيحة، تماماً كما يمكنها أن تُدلي بوجهة نظر شخصية ومتحيّزة؛ فتُقنع من خلال ذلك جمهورها بأنها على صواب، بصرف النظر عن مدى صلة كلامها بالموضوع، أو الأدلّة، أو الوقائع.

9. لم تُشكّل هويات المشاركين الطائفية والمناطقية عوامل أساسية أثّرت على طريقة فهمهم للرسائل، وتصوّرهم لطبيعتها المزيّفة. في المقابل، أدّى مستواهم التعليمي وتفكيرهم النقدي دوراً أهمّ في توجيه طريقة فهمهم وتحليلهم للأخبار المعروضة عليهم.

مشاركة الخبر